من “سونغ جيانغ” بشنغهاي إلى العالم: كيف يعيد الحوار الصيني العربي تشكيل قواعد التعاون الدولي؟

بقلم:عبدالوهاب جمعه
في منطقة “سونغ جيانغ” بشانغهاي، حيث تلتقي جذور التاريخ بعنفوان الحداثة، انعقدت الدورة الخامسة للمنتدى الصيني العربي للإصلاح والتنمية في أبريل 2025، ليس كمجرد حدث دبلوماسي روتيني، بل كإعلان صريح عن نَهجٍ جديدٍ في العلاقات الدولية. هذا المنتدى، الذي جمع تحت مظلته قادة وخبراء ورواد أعمال من الصين والعالم العربي، لم يناقش التعاون الاقتصادي فحسب، بل طرح رؤيةً مُلهِمةً لمستقبل تُبنى فيه الشراكة على الابتكار والثقة المتبادلة، في عالمٍ تهدده الانقسامات والحمائية.
لماذا سونغ جيانغ؟ رمزية المكان واستشراف المستقبل
لم تكن اختيار منطقة سونغ جيانغ، التي تُعتبر “الجذر الثقافي” لشانغهاي، مجرد صدفة. فهي ليست فقط نقطة انطلاق شنغهاي الحديثة، بل مركزٌ استراتيجي لخطة الصين الطموحة لدمج دلتا نهر يانغتسي في شبكة ابتكار عالمية. هذا الجمع بين الأصالة والحداثة يعكس جوهر التعاون الصيني العربي: بناء جسور بين الموروث الحضاري والتطلعات التكنولوجية.
الابتكار: سلاح الصين والعرب في مواجهة “عصر اللايقين”
إذا كان الرئيس الصيني شي جينبينغ قد وصف الابتكار بأنه “القوة الدافعة للتنمية”، فإن المنتدى كشف كيف تحوّلت هذه المقولة إلى خارطة طريق. الأرقام تتحدث: تجاوز حجم التبادل التجاري الصيني العربي 400 مليار دولار في 2024، مع نموٍ ملحوظ في مجالات الطاقة النظيفة، والذكاء الاصطناعي، والفضاء. لكن الأهم هو التحول النوعي في طبيعة هذا التعاون. إنشاء مراكز نقل التكنولوجيا ومشاريع البنية التحتية الذكية، مثل مركز البيانات الذي بنته “تنست الصينية” في السعودية، ليس مجرد تعاقدات تجارية، بل تأسيسٌ لشراكة استراتيجية تخرج من عباءة “التبعية” إلى فضاء التكامل.
هنا تكمن قوة النموذج الصيني العربي: فبينما تدفع الولايات المتحدة وأوروبا ثمن الانكفاء خلف جدران الحمائية، يقدمان دروسًا في كيفية تحويل التحديات إلى فرص. بجانب أن الإرث الثقافي الذي يجعل التعاون مع العرب ممكنًا – تعاونٌ لا يخاف من الاختلاف، بل يستثمره.
مبادرة التنمية العالمية: الصين تقدم البديل
المنتدى كان مجاله “مبادرة التنمية العالمية” التي أطلقها الرئيس شي، والتي تسعى إلى تقديم نموذج تنموي شمولي، بدلًا من النموذج الغربي الأحادي. تصريحات الخبراء العرب خلال جلسات المنتدى خلصت الى أن المبادرة “مرجع حقيقي للتغيير”، وأشادت بالدور الصيني في دعم الاقتصادات العربية، واكدت مشاركات الخبراء أن المبادرة بدأت تحصد ثمارها.
التحديات: الاحتكارات الغربية والصراع على الهوية
رغم التفاؤل السائد، فإن الطريق ليس مفروشًا بالورود. لان غيوم الرسوم الجمركية الأمريكية تذكرنا بأن الصين والعرب ليسا في معزل عن حرب التجارة العالمية. لكن المنتدى أظهر أن الطرفين يدركان أن المواجهة ليست عبر الخطابات السياسية، بل عبر تعزيز التكامل الاقتصادي التكنولوجي.
هنا يبرز دور منصات مثل “معرض الصين للاستيراد”، الذي يعد جسرٌ لـ”تشارك ثمار التنمية”. فالصين، التي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تدرك أن انفتاحها على الاستثمارات العربية هو الضمانة الأقوى ضد الحمائية الغربية.
نحو نظام عالمي جديد… من شنغهاي
من سونغ جيانغ، حيث تُختزن روح الحضارة الصينية، يُرسل المنتدى رسالة واضحة: إن العالم المتعدد الأقطاب ليس شعارًا سياسيًا، بل واقعًا تُبنى أسسه عبر شراكات استراتيجية قائمة على الاحترام المتبادل. الصين والعرب، بثقافاتهما العريقة واقتصاداتهما الصاعدة، يقدمان للعالم نموذجًا فريدًا: تعاونٌ لا يلغي الخصوصيات، بل يذوب فيها.
في النهاية، كما قال السفير الصيني السابق “لي تشتغون”: “الدول النامية لها حق في التنمية المدفوعة بالابتكار”. ربما يكون هذا المنتدى بدايةً لعهدٍ جديد، حيث تُكتب قواعد اللعبة الدولية ليس في واشنطن أو بروكسل، بل في مناطق مثل سونغ جيانغ، التي تثبت أن الحوار بين الحضارات لا يزال أقوى أسلحة التنمية.