2024-12-03

العلاقات السودانية الصينية- منظور اقتصادي (1 من 3) د/ عادل عبد العزيز الفكي

خص الخبير الاقتصادي المرموق د.عادل عبدالعزيز الفكي ( المشهد الصيني ) بدراسة معمقة عن العلاقات السودانية الصينية من منظور اقتصادي.. سكب د. عادل معرفته المعمقة وخبرته الممتدة .. وبريشة الفنان ومبضع الجراح يضع د.عادل السياق الاقتصادي للسودان ويقترح الحلول برؤية كلية مقرونة بالتفاصيل لوضع الاقتصادي السوداني على صراط التنمية القويم.

العلاقات السودانية الصينية- منظور اقتصادي (1 من 3)

د/ عادل عبد العزيز الفكي

adilalfaki@hotmail.com

مقدمة:-

على الرغم من أن الصين كانت هي موطن وباء كورونا المستجد covid-19   إلا أنها أصبحت أول الدول تعافياً من الوباء. وأبرزت حكومتها قدرة فائقة على السيطرة بفعل القرارات السريعة والحاسمة، وتجاوب الشعب الصيني معها في تنظيم رائع لا يوجد له مثيل على مستوى العالم. وبسرعة فائقة كذلك عادت العافية للاقتصاد الصيني، الذي يتوقع أن تكون شهيتة مفتوحة للشراكات الخارجية، وتبادل المنافع في ظل استمرار ترنح الدول الكبرى اقتصادياً مثل الولايات المتحدة واليابان ودول الإتحاد الأوروبي بفعل جائحة كورونا.

تعتبر الصين البلد الأنسب للسودان لعقد شراكة اقتصادية استراتيجية معها. أولاً للاحترام المتبادل بين الشعبين، وثانياً لأن الصين لا تفرض أي شروط سياسية مقابل قروضها الانمائية، وثالثاً لسابق تجربة الصين مع السودان في مجال الاستثمار في استخراج النفط، وفي التجارة بين القطرين.

السودان كبلد فقير، على الرغم من تمتعه بموارد أولية هائلة، يحتاج لمن يظاهره ويسنده اقتصادياً من الدول الكبرى. الكثير من الدول الفقيرة والدول الأقل نمواً تحولت لاقتصادات متقدمة أو على الأقل لدول متوسطة النمو نتيجة لاحتضان دولة كبرى لها. والأمثلة كثيرة، ففي كوريا الجنوبية والمكسيك وسنغافورة نهض الاقتصاد بإستثمارات ضخمة جدا من الولايات المتحدة. ونهضت ماليزيا باستثمارات ضخمة من اليابان والصين.

يواجه الاقتصاد السوداني في الوقت الحالي مشكلات كبيرة للغاية هي العجز في الميزان التجاري، الركود التضخمي، تدهور قيمة العملة السودانية، وفقدان الثقة في النظام المصرفي.

 خطط الحكومة لحل هذه المشكلات عن طريق زيادة الانتاج وإحداث طفرة في الصادرات تواجه بالعجز عن تخصيص موارد مقدرة للصرف التنموي من خلال الموازنة العامة، وعدم دخول استثمارات جديدة من القطاع الخاص بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي.

أما خطة الحكومة نحو مضاعفة المرتبات بأكثر من خمسة أضعاف، ورفع الدعم عن المحروقات دون ترتيب بديل نقدي للفئآت المستحقة فيُعتقد بأنها سوف ترتفع بنسب التضخم لأرقام فلكية، وفي نفس الوقت فإن العجز عن استعادة الثقة في النظام المصرفي بالحديث المستمر عن تغيير العملة السودانية، وضعف العائد من نقل بترول الجنوب، وانخفاض انتاجية حقول البترول السودانية كل هذا يرجح معه استمرار تدهور الاقتصاد السوداني وتحقيق نسب نمو سالبة خلال السنوات القادمة.

الخروج من الأزمة في تقديرنا يتطلب واحد من خيارين، الأول: دعم هائل لميزان المدفوعات من مؤسسات مالية دولية أو دول صديقة بما لايقل عن عشرة مليار دولار دفعة أولية. مع عون تنموي لا يقل عن خمسة مليار دولار سنوياً لمدة خمسة أعوام على الأقل. ومن الواضح أن فرص تحقق مثل هذا الدعم ضئيلة للغاية بسبب استمرار وضع السودان في لائحة الدول الراعية للإرهاب الأمريكية.

الخيار الثاني: تنفيذ اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الصين، متضمنة استخدام اليوان الصيني في التبادلات التجارية الخارجية للسودان، وفي التعامل الداخلي كعملة ثانية جنباً الى جنب مع الجنيه السوداني.

 تركز هذه الورقة على الخيار الثاني، كمعالجة ضرورية لأزمة الاقتصاد السوداني.

حجم وقدرات الاقتصاد الصيني:-

الصين أصبحت قائدة للاقتصاد العالمي، فهي تحتل المرتبة الأولى في حجم الناتج المحلي الاجمالي بقيمة 23.1 تريليون دولار، ولدى الصين أكبر إحتياطات العالم من الذهب والعملات الأجنبية بقيمة 3.9 تريليون دولار، والصين هي المنتج الأول للطاقة الكهربائية بحجم 5.7 ترليون كيلوواط، وهي المستهلك الأول لها كذلك بحجم 5.5 ترليون كيلوواط. الصين هي الدولة الأولى في العالم في حجم الانتاج الزراعي والصناعي وتبلغ صادراتها 2.3 ترليون دولار كأكبر دولة مصدرة في العالم، فيما تستورد بما قيمته 1.7 ترليون دولار كثالث دولة في العالم بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تبلغ قوة العمل في الصين 806 مليون نسمة كأكبر قوة عمل في العالم فيما تبلغ نسبة البطالة 4.1% والتضخم في حدود 2%. فيما تبلغ الاستثمارات الخارجية الصينية 1.4 ترليون دولار محتلة المرتبة 10 بين دول العالم[1].

هذه الأرقام الهائلة في مختلف المؤشرات الاقتصادية تجعل الصين هي الشريك الاستراتيجي الأنسب للسودان، ففيما يبحث السودان عن دولة ذات إمكانات اقتصادية كبرى تساعده في تفجير طاقاته الكامنة، تسعى الصين لتوظيف فوائضها للاستثمار في الخارج لتتقدم في قائمة الدول التي تستثمر خارجياً، ولتوفر الطاقة والغذاء لسكانها ذوي التعداد الهائل الذي بلغ في شهر يناير من العام 2018 عدد 1,384,688,986 نسمة. (تقريباً 1.4 مليار نسمة) كأكبر عدد سكان لدولة واحدة في العالم.

لماذا تساعدنا الصين؟

مفهوم الشراكة الاستراتيجية يشمل التنسيق والتعاون والمساندة في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية، هو مفهوم يقوم على هذه الركائز مجتمعة وليس على مفهوم الشراكة أو التعاون الاقتصادي فحسب.

تشمل الاتفاقيات الاقتصادية مع الصين تعهد الصين بالاستثمار في مجال الغاز الطبيعي، وفي حقول البترول الواعدة، وتقديم قروض تفضيلية لشراء وسائل نقل تشمل قاطرات وسفن وطائرات، وتقديم قروض تفضيلية كذلك لإعادة تعمير بعض خطوط السكك الحديدية، وشملت الاتفاقيات إتفاقاً مالياً خاصاً بإستعمال اليوان الصيني في التعامل التجاري بين القطرين، وتعهداً صينياً بالاستمرار في الاستثمار المشترك في المجال الزراعي.

بما أن العلاقات بين الدول قائمة على المصالح فإن البعض يتساءل حول الأسباب التي تدفع الصين لعقد شراكة استراتيجية مع دولة تجد صعوبات في التعامل مع المجتمع الدولي بسبب استمرار الحظر الاقتصادي الأمريكي عليها.

في الواقع أن الصين ماضية في استراتجيتها الرامية لفتح الأسواق أمام منتجاتها فيما ترمز اليه بإستراتيجية الحزام والطريق. الحزام مقصود به الدول المحيطة بالصين، والطريق مقصود به إحياء طريق الحرير. وطريق الحرير هو مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها القوافل والسفن وتمرّ عبر جنوب آسيا رابطةً تشآن (والتي كانت تعرف بتشانغ آن) في الصين مع أنطاكية في تركيا بالإضافة إلى مواقع أخرى.

تعمد الصين في الوقت الحالي لإحياء هذه الطرق التقليدية عبر محورين المحور الأول يستهدف دول جنوب وشرق آسيا الى جنوب أوروبا عبر مصر ودول شمال إفريقيا، والمحور الثاني يستهدف دول القارة الافريقية جميعها عبر البوابة السودانية.

الصين هي الدولة الأولى في العالم من حيث حجم الانتاج الزراعي والصناعي، وتبلغ صادراتها 2.2 ترليون دولار كأكبر دولة مصدرة في العالم، فيما تستورد بما قيمته 1.7 ترليون دولار كثاني دولة في العالم بعد الولايات المتحدة. ينمو القطاع الصناعي الضخم في الصين بمعدل 6.1% سنوياً بينما ينمو نظيره الأمريكي بمعدل 2.3% سنوياً وفقاً لاحصاءات 2017. معنى هذا أن لدى الصين انتاج ضخم جداً تسعى نحو فتح الأسواق أمامه. من جانب آخر فإن إحتياجات الصين للطاقة متصاعدة بصورة كبيرة جداً نظراً لتوسع القطاع الصناعي فيها، وكذلك احتياجها للغذاء بوصفها الدولة الأولى في العالم من حيث عدد السكان البالغ 1.4 مليار نسمة. تحتاج الصين كذلك لفتح فرص عمل لسكانها في سن العمل الذين يبلغون حوالي 806 مليون نسمة كأكبر قوة عمل في العالم.

لهذه الأسباب مجتمعة من الطبيعي أن تركز الصين على قطاعات النقل والطاقة والزراعة في السودان. وتركز على وجه الخصوص على السكك الحديدية للاستفادة من الاتفاقيات التي عقدها السودان مع كل من اثيوبيا ودولة تشاد وافريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان لاستخدام الموانئ السودانية لأن هذه الدول دول مغلقة لا منافذ لها على البحار.

إن الاستثمارات الصينية في مجالات النقل والطاقة والزراعة تمثل إضافات كبيرة جداً للاقتصاد السوداني.


 


[1] www.cia.gov

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تصفح ايضاً