تحليل :إطلاق عمليات هاينان الجمركية الخاصة .. نموذج الصين الجديد للانفتاح الاقتصادي الاستراتيجي
تحليل:المشهد الصيني
في ذكرى انطلاق سياسة “الإصلاح والانفتاح” الصينية العميقة، اختارت بكين يوم 18 ديسمبر لإطلاق “عمليات هاينان الجمركية الخاصة**، محوّلة الجزيرة بالكامل إلى منطقة تجارة حرة شاملة. لكن هذا الإجراء ليس مجرد توسيع جغرافي لمفهوم المناطق الحرة، بل يُمثل نموذجاً متقدماً لما تسميه الصين “الانفتاح المؤسسي”، حيث تُعيد تشكيل علاقتها بالاقتصاد العالمي في ظل تصاعد موجات الحمائية الدولية.
المبدأ الجديد: “تسهيل الخارج، حرية الداخل”
الابتكار الجوهري في هذا الإطلاق يكمن في فلسفة “الخطين” المتعارضين والمكملين في آنٍ واحد:
الخط الأول (مع العالم): فتح كامل عبر إعفاء 74% من السلع المستوردة من التعريفات الجمركية (قفزة هائلة من 20% سابقاً)، وإعفاء تأشيري لـ86 دولة، وإنشاء 8 موانئ “خط أول” مثل يانغبو. هذه ليست مجرد تسهيلات، بل إعادة هيكلة لدخول عوامل الإنتاج العالمية للجزيرة.
الخط الثاني (مع البر الرئيسي): إدارة كفؤة تسمح بدخول السلع المُصنعة في هاينان إلى السوق الصينية الضخمة دون رسوم، شرط تحقيق 30% على الأقل من القيمة المضافة. هذا يخلق “جسراً مزدوجاً” يجذر الجزيرة في الاقتصاد الوطني مع الحفاظ على تواصلها العالمي.
آليات التنفيذ: من القمة إلى الميناء
الإطلاق لا يقتصر على سياسات ورقية. وانما يكشف عن بنية تحتية لوجستية متكاملة:
– موانئ خط أول : مثل يانغبو الذي نما من قرية صيد إلى بوابة عالمية بـ65 خط شحن
– موانئ خط ثانٍ : مثل شينهاي الذي يعالج 80% من شحنات الشاحنات للبر الرئيسي
– تفتيش ذكي : منطقة فحص مركزية تستوعب 1.72 مليون شاحنة سنوياً
التأثير الاقتصادي: أكثر من أرقام
تُظهر الأرقام الأولية نجاحاً مبكراً: نمو الاستثمار الأجنبي بنسبة 40% في 9 أشهر. لكن التحليل يجب أن يذهب أبعد:
اولا : جذب سلاسل القيمة العالمية: سياسة “المعالجة المضافة 30%” هي دعوة استراتيجية لنقل مصانع التقنية العالية إلى داخل الجزيرة، خاصة في قطاعي البتروكيماويات والتصنيع المتقدم.
ثانيا: تخفيض التكاليف الهيكلية: وفقاً للتقرير، وفرت دفعة واحدة من المواد الأولية البتروكيماوية (179 ألف طن) “عشرات الملايين من اليوان”، مما يحوّل هاينان إلى منصة تصنيع تنافسية عالمياً.
ثالثا : إعادة ترتيب التجارة الداخلية: باتت هاينان بوابة رئيسية للوصول إلى السوق الصينية من الخارج، مع الحفاظ على امتيازات التجارة الحرة.
الرسالة السياسية: انفتاح مؤسسي في وجه الحمائية
في سياق عالمي تتصاعد فيه “أصوات الحماية”، تستخدم الصين هاينان لإرسال رسالة مزدوجة:
داخلياً: الالتزام باستمرار الإصلاح الاقتصادي كجزء من خطة الخمس سنوات القادمة و”الانفتاح عالي الجودة”.
دولياً: تقديم نموذج بديل للتكامل الاقتصادي، يقول للعالم إن الصين لا تزال ترحب بالشراكة والفرص المشتركة.هذا هو “عرض شراكة واستقرار وفرص مشتركة صيني”.
ورقة رابحة في لعبة كبرى
عمليات هاينان الجمركية الخاصة ليست مجرد توسيع اقتصادي، بل هي استثمار استراتيجي في مستقبل نموذج التنمية الصيني. من خلال تحويل جزيرة بأكملها إلى مختبر للانفتاح المؤسسي، تُجري الصين تجربة قد تُكرّر في مناطق أخرى.
كما تُظهر التقارير المصاحبة عن الاقتصاد الكربوني والسياحة المتكاملة والقطاع الطبي التجريبي، هاينان تُبني نموذجاً شاملاً وليس أحادياً: اقتصاد أخضر، سياحة عالمية، وتقنية طبية متقدمة، كلها تحت مظلة قانونية موحدة.
الرسالة واضحة: الصين لا تزال ترتدي “بدلة الانفتاح”، لكنها الآن مصممة حسب المقاس الصيني، وهاينان هي المعرض الذي تُعرض عليه للعالم.
