2025-12-22

ما الرسائل الأساسية التي يوجهها البيان الختامي للجلسة الكاملة الرابعة إلى العالم؟ 

بكين:المشهد الصيني، نقلا عن افتتاحية صحيفة «غلوبال تايمز» 

بقلم: “غلوبال تايمز”

في 23 أكتوبر 2025، صدر البيان الختامي للجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني. وبحسب البيان، قدّمت اللجنة المركزية تقييمًا إيجابيًا للإنجازات التنموية الكبرى التي حققتها الصين خلال فترة الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021–2025)، ووضعت ستة مبادئ توجيهية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال فترة الخطة الخمسية الخامسة عشرة، وحدّدت أهدافًا رئيسية واعتمدت 12 توجّهًا استراتيجيًا كبيرًا. وأكد البيان على ضرورة “الحفاظ على العزيمة الاستراتيجية، وتعزيز ثقتنا بالنجاح، والتركيز على إدارة شؤوننا الخاصة”، مشدّدًا أيضًا على أن “الحزب بأكمله والشعب الصيني بأسره يجب أن يتحدوا في جهدٍ مشترك لتحقيق أهداف الخطة الخمسية الخامسة عشرة”. ويحمل هذا البيان الذي يتألف من نحو 5000 حرف وزنًا بالغ الأهمية، إذ يقدّم رؤية أوضح لمسار التنمية الصينية خلال الخمس سنوات القادمة وما بعدها، ويُعبّر عن ثقة راسخة بأن الصين ستواصل التقدّم على مسارها المحدّد نحو مستقبل أكثر إشراقًا.

لقد لاقى البيان اهتمامًا فوريًا داخل الصين وخارجها. فعلى وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، هيمن خبر البيان على النقاشات، وتصدّرت مواضيع متعددة متعلقة به قائمة الأكثر تداولاً. أما في الرأي العام الدولي، فقد قدّمت وسائل الإعلام الكبرى تغطية مفصلة وشاملة لمحتواه الأساسي، مع التركيز على استمرارية السياسات واستقرارها كما يظهر في البيان. وأشارت وكالة أسوشييتد برس إلى أن البيان “يتماشى إلى حد كبير مع الاتجاهات السياسية القائمة”، مشيرة إلى أن الخطة الكاملة لن تُعلن رسميًا إلا في مارس القادم، حين يتم اعتمادها خلال الدورتين السنويتين. بينما نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن محللين قولهم: “هناك الكثير من الأحداث الجارية في العالم، وفوضى واضطرابات، لكن الصين تواصل تنفيذ خطتها نحو التحديث الاشتراكي”.

يُعدّ هذا البيان برنامج عمل لفترة الخطة الخمسية الخامسة عشرة، وهو بذلك يشكّل وثيقة أساسية للعالم لفهم منطق التنمية الصينية والتنبؤ بمسارها المستقبلي. ومن خلاله، يمكن للمجتمع الدولي أن يدرك بوضوح الفلسفة التوجيهية والأهداف والنهج ومسار التنمية الذي تتبعه الصين. فالبيان يجسّد تطلّع أكثر من 1.4 مليار صيني لحياة أفضل، وفلسفة “الشعب أولاً” التي تشكّل جوهر التنمية الداخلية للصين، وهي نفسها التي توجّه جهودها الخارجية لبناء “مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية”. إن مصداقية الصين — المتمثلة في توافق أقوالها مع أفعالها — تشكّل أساس الثقة الشعبية بالحزب والحكومة داخليًا، وتجعل من الصين، في نظر المستثمرين والشركاء العالميين، واحدة من أكثر القوى استقرارًا ويمكن الاعتماد عليها في العالم اليوم.

من “ضمان تحقيق نتائج أفضل للسياسات الرامية إلى تعزيز الزراعة، ودعم المزارعين، وتحقيق ازدهار الريف”، إلى “المضي قُدمًا في التوسع الحضري الجديد القائم على الإنسان”، ومن “بذل مزيد من الجهود لضمان وتحسين رفاهية الشعب”، إلى “اتخاذ خطوات ثابتة نحو تحقيق الازدهار المشترك للجميع”، فإن الخطة الخمسية الجديدة تتمحور باستمرار حول تحسين رفاهية الشعب. وتكفل هذه الفلسفة التنموية أن تُوزّع ثمار التقدّم الاقتصادي والاجتماعي على الغالبية العظمى من الشعب، مما يجنّب الصين مشكلات مثل التفاوت الحاد في الثروة والانقسام الاجتماعي التي تتفشّى في كثير من المجتمعات الغربية المتقدمة. فبينما تحولت السياسة في بعض الدول إلى لعبة بين رؤوس الأموال ومجموعات المصالح الضيقة، تظل الصين ملتزمة بتعزيز المصالح الأساسية للغالبية الساحقة من شعبها، وهو ما يشكّل أساسًا متينًا للاستقرار الاجتماعي والوئام على المدى الطويل. وعندما يدرك الناس أن مخطّط التنمية الوطني مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمصالحهم الشخصية، فإنهم سيتّحدون بقوة هائلة ويُقبلون على العمل بروحٍ من التضامن.

النمو المستقر، والسياسات المستقرة، والتوقعات المستقرة — هذه هي الرسائل الأساسية التي يوجّهها البيان إلى العالم. ففي بيئة عالمية تشهد تغيّرات متكررة في سياسات بعض القوى الكبرى، ألقى هذا “اللايقين” بظلاله على السلام والتنمية العالميين.

في المقابل، لا تتّبع التنمية الصينية فقط اتجاهًا واضحًا، بل تنفّذ أيضًا بعزمٍ قوي، ما يعزّز لدى العالم ما بات يُعرف بـ”الثقة الصينية”. سواءً كان الأمر متعلقًا بالتصميم الاستراتيجي لتنمية “قوى إنتاجية نوعية جديدة” وفقًا للظروف المحلية، أو التقدّم الثابت نحو “الازدهار المشترك” عبر تنمية عالية الجودة، أو الخطة المنهجية لتسريع تشكيل “نمط تنمية جديد”، فإن البيان يعكس رؤية بعيدة المدى للاتجاهات العالمية، ونهجًا عمليًا قائمًا على حل المشكلات. وهو خطة تتميّز بالتركيز العالي والواقعية، وتجسّد روح العصر مع الارتباط الوثيق بالواقع.

يمر العالم اليوم بمنعطفٍ تاريخي يشهد تحولات عميقة وفوضى متزايدة، ويسوده مناخ من عدم اليقين. والصين التي يعرضها البيان هي دولة واعية، وواثقة، ومنفتحة على العالم. فهي تدرك تمامًا أن تنميتها لا تنفصل عن العالم، وأن تقدّم العالم يحتاج إلى الصين. ولذلك شدّد البيان على “دفع الانفتاح عالي المستوى وفتح آفاق جديدة للتعاون المتبادل المنفعة”، وأكد صراحةً التزامه بـ”الحفاظ على نظام التجارة المتعددة الأطراف”.

ويعكس هذا التوجّه ثبات السياسة الصينية، وهو ما يكتسب أهمية استثنائية في ظل تصاعد النزعات الحمائية عالميًا. إنه التزام جدّي من دولة كبرى، وردٌّ حاسم على الدعوات إلى “فك الارتباط وقطع سلاسل الإمداد” أو اتباع استراتيجية “الفناء الصغير والجدار العالي”. فالنهج الصيني في التنمية لا يهدف إلى “تحقيق الرفاه لنفسها وحدها”، بل إلى “السعي لتحقيق الخير للعالم أجمع”.

ستكون الخطة الخمسية الخامسة عشرة خريطة طريق مُحكمة التصميم لتحقيق تطلّعات الشعب الصيني لحياة أفضل، كما ستكون بوصلة توجّه جهود البلاد خلال الخمس سنوات القادمة. فدولة كبرى نامية تضع الشعب في قلب معتقدها الأعلى تمتلك مرونة وقدرة على التحمّل لا تضاهى في مسار تنميتها؛ وحزبٌ حاكم يدعمه إطار مؤسسي قوي وقدرة تنفيذية عالية يفي بوعوده بمصداقية لا تتزعزع؛ وحضارة ملتزمة ببناء “مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية” ستقدّم إسهامات متزايدة للسلام والتنمية العالميين. إن خريطة الطريق التنموية التي كشف عنها البيان لمسار الصين خلال الخمس سنوات القادمة تقدّم للعالم شيئًا نادرًا جدًّا في هذه الأوقات المضطربة: اليقين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *