“الخطاب الذي رسم خريطة القرن: الصين في لحظة التتويج”
مقال: ادارة المشهد الصيني
مع نهاية العام 2025 وبدء بزوغ فجر عام 2026، لم يكن الرئيس شي جين بينغ يُلقي مجرد كلمة تهنئة بالسنة الجديدة، بل كان يُصدر خريطة طريق لدولةٍ تقف على عتبة نهضة شاملة، تُعيد بها تعريف مفاهيم القوة، والتنمية، والعدالة، والحضارة.
في خطابٍ مميز، قدّم الرئيس شي صورةً حيةً عن صينٍ تجاوزت مرحلة “النماء” إلى زمن “النضج”. فالعام 2025، كما وصفه، لم يكن عاماً عادياً، بل كان عامَ التتويج للـ”خطة الخمسية الرابعة عشرة”، حيث اجتاز الاقتصاد حاجز الـ140 تريليون يوان، ليس كرقم محض، بل كدليل على متانة بنية تحتية، وقوة إنتاجية، ونموذج تنموي استثنائي راكم الإنجازات بثبات لا يُعوّقه زعزعة ولا يُربك مسيرته اضطراب.
لكن الأهم من الأرقام، هو ما وراءها: روح الحسم، والانضباط، والطموح الاستراتيجي. فالحديث عن إطلاق “تيان ون-2” لاستكشاف الكويكبات، أو دخول حاملة الطائرات المزودة بالمنجنيق الكهرومغناطيسي الخدمة، أو الاختراقات في تصنيع الرقاقات، ليس فقط تقدماً تكنولوجياً، بل رسالة واضحة: الصين لم تعد تستورد المستقبل، بل تصنعه.
وفي الوقت الذي تُظهر فيه الصواريخ والروبوتات البشرية التي تمارس الكونغ فو قوة العلم، فإن الثقافة تُعلن بدورها عن وجودها العالمي: “ووكونغ” و”نيزها” يصبحان أيقونتين عالميتين، والتراث غير المادي يتوسع في قائمة اليونسكو، والرياضة الشعبية — من دوري القرية إلى كرة القدم في المدينة — تُحيي روح الجماعة والانتماء. هنا، لا تنفصل القوة عن الهوية، ولا ينفصل التقدم عن الجذور.
ولا يمكن تجاهل البُعد الإنساني في الخطاب: 300 يوان إضافية شهرياً لكل أسرة تُنجب طفلاً، وتحسين ظروف المسنين، ورعاية العمال في المهن الجديدة. هذه ليست سياسات اجتماعية عادية، بل هي مكونات استراتيجية لبناء مجتمع متماسك، قادر على تحمل ضغوط التحولات الاقتصادية والديموغرافية.
وعلى الصعيد الدولي، لم تُستخدم اللغة الدبلوماسية التقليدية، بل تمّ التعبير عن موقف صيني واضح: السلام، والعدالة، والمسؤولية العالمية. من دعم حوكمة عالمية أكثر إنصافاً، إلى مواجهة تغير المناخ، إلى الوقوف إلى جانب الحق في التاريخ، تؤكد الصين أنها لا تسعى للهيمنة، بل للتأثير من خلال النموذج، وليس القوة.
الأبرز بلا شك هو التأكيد على “الثورة الذاتية” داخل الحزب الشيوعي، عبر تفعيل الضوابط الثمانية، ومكافحة الفساد، وترسيخ الانضباط. ففي لحظة يشكك فيها كثيرون في قدرة الأنظمة السياسية على التجدد، تختار الصين أن تُجدد ذاتها من الداخل، وتُذكّر بأن “سؤال الكهف” — أي كيف يحافظ الحزب على نزاهته بعد انتصاره؟ — لا يزال حاضراً، وأن الإجابة عليه تأتي بالعمل، لا بالشعارات.
إن عام 2026، عام الحصان في التقويم الصيني، يحمل رمزية القوة والسرعة والمثابرة. والصين، بخطاب الرئيس شي، تقول بصوت عالٍ: إنها مستعدة للركض. ليس فقط نحو أهداف الخطة الخمسية الخامسة عشرة، بل نحو حلمٍ أكبر: نهضة أمة بأكملها، لا تعود إلى المجد فحسب، بل تُعيد تعريفه.
فالصين اليوم ليست فقط دولة تُحدث التحوّلات، بل أصبحت مسرحاً للتحولات الكبرى في العالم.
والعالم، سواء أراد أم لا، لن يفهم القرن الحادي والعشرين دون أن يقرأ “المشهد الصيني” بعناية.
