في عالم يتجزّأ، تراهن الصين على الانفتاح
بكين:المشهد الصيني
بدأ ميناء هاينان للتجارة الحرة اليوم الخميس عمليات جمركية خاصة على مستوى الجزيرة بأكملها، ما يبعث إشارة واضحة على عزم الصين على دفع عجلة الانفتاح رفيع المستوى وربط نموها بشكل أوثق بالاقتصاد العالمي في وقت تشهد فيه مناطق أخرى ارتداداً في السياسات الحمائية.
ويتناقض هذا الواقع بشكل صارخ مع السردية المتكررة في وسائل الإعلام الأمريكية عن “صدمة صينية” تؤثر على الأسواق الأجنبية بسبب صادرات الصين. هذه الادعاءات تتجاهل حقيقة أساسية: أن تنمية الصين كانت ولا تزال لا تنفصل عن انفتاحها المستمر، والتوسّع الطوعي في سبل الوصول إلى أسواقها، ومشاركتها النشطة في سلاسل الإمداد العالمية.
فبدلاً من إغراق الأسواق الخارجية، توسّع الصين من إتاحة أسواقها، تُولّد طلباً، تخفض التكاليف، وتوفّر مسارات جديدة للنمو عبر المناطق.
من خلال مواءمة سياساتها مع المعايير الدولية، وخفض حواجز الدخول إلى السوق، واختبار ابتكارات مؤسسية في تحرير التجارة والاستثمار والقطاع المالي، يدل ميناء هاينان للتجارة الحرة على التزام الصين ليس فقط بالتكامل الأعمق في الاقتصاد العالمي، بل أيضاً بمشاركة فوائد هذا التكامل مع دول أخرى.
إحدى أكثر سياسات تحرير التجارة وضوحاً في هذا الإطار هو توسيع بنود التعريفات الجمركية ذات المعدل الصفري، ومن المتوقع أن ترتفع نسبتها من 21% إلى 74%. كما سيرتفع عدد البنود المعفاة من الرسوم الجمركية من نحو 1,900 بنداً إلى حوالي 6,600 بنداً، تشمل تقريباً جميع معدات الإنتاج والمواد الخام.
إضافةً إلى ذلك، تساعد إجراءات التخليص الجمركي المبسّطة، والمعدلات الضريبية المنخفضة، والنظام الضريبي المبسّط في الميناء، الشركات الأجنبية على دخول السوق الصيني الواسع والعمل فيه بكفاءة أعلى، مع خفض تكاليف التجارة.
سيستفيد المستثمرون العالميون من بيئة أعمال تسعى هاينان إلى بنائها لتكون قائمة على السوق، ومرتكزة على القانون، ودولية الطابع. وبالإضافة إلى قائمة ممنوعات الاستثمار المختصرة وتعزيز حماية حقوق الملكية، ستستمر هاينان في فتح قطاعات مثل السياحة، والخدمات الحديثة، والتكنولوجيا العالية والجديدة. وستتمتع الشركات والأفراد المؤهلون في الصناعات المشجّعة بمعدلات ضريبة دخل مفضّلة جذّابة جداً على المستوى العالمي.
خلافاً للعديد من مناطق التجارة الحرة المركّزة على التصنيع، يركّز ميناء هاينان أيضاً بشكل كبير على الخدمات والاستهلاك والصناعات الرفيعة، بما في ذلك مشاريع رئيسية مثل منطقة بوآو ليتشنغ الرائدة للسياحة الطبية الدولية، والتي تضم أكثر من 30 مؤسسة طبية مرموقة على المستوى المحلي والدولي؛ ومعرض الصين الدولي للسلع الاستهلاكية الذي يُقام بانتظام؛ ومركّبات التسوق المعفاة من الرسوم الجمركية.
كما يمنح موقع هاينان كأقصى مقاطعة جنوبية في الصين أهمية استراتيجية في الربط الإقليمي. ومن المتوقّع أن تعزّز قربها من اقتصادات الآسيان ومنطقة آسيا-المحيط الهادئ الأوسع كفاءة الخدمات اللوجستية وتسهّل سلاسل إمداد إقليمية أكثر مرونة وشمولية.
الصدمة الحقيقية التي تزعزع الاقتصاد العالمي ليست الصين المنفتحة. فالاستمرار في سياسة الانفتاح، المتمثّل في ميناء هاينان للتجارة الحرة، لا يجلب الاضطراب بل يوفّر الاستقرار. ففي عالم يزداد غموضاً، تشير مبادرات كميناء هاينان إلى طريق التنمية المشتركة، لا التنافس الصفري.
