2025-12-20

تحليل: زيارة وانغ يي إلى الرياض وأبوظبي وعمّان .. محطة محورية في تشكيل مستقبل العلاقات العربية الصينية

بكين:المشهد الصيني

 أولاً: بعد استراتيجي يتجاوز الجغرافيا

زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى السعودية، الإمارات، والأردن في ديسمبر 2025، ليست مجرد تأكيد على علاقات ثنائية ناجحة، بل إعادة تعريف شاملة للشراكة بين الصين والعالم العربي. فمنذ أن ارتفعت العلاقات العربية–الصينية إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، بدأت هذه العلاقة تكتسب بُعداً عالمياً، لا إقليمياً فحسب.

فالصين، من خلال هذه الزيارة، لم تكتفِ بتعزيز التعاون الاقتصادي، بل وضعت نفسها كشريك جيوسياسي فاعل في قضايا الشرق الأوسط الجوهرية: القضية الفلسطينية، المصالحة بين دول المنطقة، الأمن الإقليمي، بل وحتى الحوكمة العالمية. وتأتي هذه الخطوة في سياق أوسع، يتمثّل في الاستراتيجية الدبلوماسية العالمية للرئيس شي جين بينغ، والقائمة على أربع ركائز رئيسية: مبادرة التنمية العالمية، مبادرة الأمن العالمي، مبادرة الحضارة العالمية، ومبادرة الحوكمة العالمية، والتي وجدت في الدول الثلاث استجابة حماسية ودعماً صريحاً.

ثانياً: ثلاث محطات، ثلاث رسائل

في الرياض: تم التركيز على العمق الاستراتيجي. فالمملكة، بوصفها قلبَ العالم العربي والإسلامي، تُعدّ شريكًا محوريًا في رؤية الصين للنظام الدولي الجديد. وتأتي الموافقة على إعفاء حاملي الجوازات الخاصة من التأشيرات، وتأكيد الدعم المشترك لـ حل الدولتين، والمضي قدماً في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع مجلس التعاون الخليجي، كخطوات عملية تترجم التفاهم السياسي إلى واقع ملموس. الأهم أن الصين دعمت صراحةً جهود السعودية في تهدئة التوترات الإقليمية، وخصوصاً في علاقتها مع إيران، مما يعكس اعترافاً صينياً بدور الرياض كصانع سلام.

في أبوظبي: كانت الرسالة اقتصادية–ثقافية–دبلوماسية في آنٍ واحد. فبينما شدّد الجانبان على المواءمة بين “الحزام والطريق” و”نحن الإمارات 2031″، دعا الجانب الصيني الإمارات للمشاركة الفاعلة في المبادرات الأربع. وتأييد الإمارات لـ صين واحدة، ورفضها لأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية الصينية، لم يكن مجرد موقف دبلوماسي، بل تعبير عن ثقة استراتيجية متبادلة. ودعم الإمارات لاستضافة الصين للقمتين العربية والخليجية يُظهر أن أبوظبي ترى في بكين مركزاً جيوسياسياً صاعداً لا غنى عنه.

في عمّان: حملت الزيارة بُعداً إنسانياً وأخلاقياً. فالمملكة الأردنية، رغم محدودية مواردها، تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على الاستقرار، خصوصاً في القضية الفلسطينية. وتأكيدها المتكرر لمبدأ “صين واحدة”، ودعوتها لدعم الوصاية الهاشمية على المقدسات، يعكسان رؤية أردنية عميقة: الصين شريك لا يستغل الضعف، بل يحترم الكرامة. ومن جهتها، أكدت الصين دعمها الكامل للأردن، ووعدت باستيراد منتجاته، وتشجيع الاستثمار فيه، ودعم جهوده الإنسانية — وهي إشارات واضحة أن الصين لا تتعامل مع الدول الصغيرة كأدوات، بل كشركاء أوفياء.

ثالثاً: نحو قمتين تاريخيتين

الزيارة جاءت كتحضير استراتيجي مباشر للقمتين المقررتين في 2026. فالقمة الصينية–العربية الثانية ليست مجرد امتداد للقمة الأولى في الرياض (2022)، بل فرصة لإطلاق مرحلة جديدة من التكامل: تكامل اقتصادي عبر اتفاقية التجارة الحرة، تكامل تقني عبر مراكز الذكاء الاصطناعي، وتكامل حضاري عبر تعليم اللغة الصينية وتبادل الخبرات في الحوكمة.

ومن خلال دعم الدول الثلاث للقمتين، أرسلت رسالة موحدة إلى العالم العربي: الصين ليست “بديلًا”، بل “شريكاً”، تقدم نموذجاً بديلاً للشراكة الدولية، يقوم على عدم التدخل، احترام السيادة، والتنمية المشتركة.

خاتمة: شراكة لا تُبنى على الرمال

في عالمٍ تُفكّك فيه الأزمات التحالفات، وتُعيد الحسابات الجيوسياسية صياغة الخرائط، تبرزالعلاقات العربية–الصينية كاستثناء نادر: شراكة مبنية علىالثبات، وليس الظرف؛ على الاحترام، وليس الهيمنة؛ وعلى المستقبل، وليس الماضي.

زيارة وانغ يي لم تكن رحلة إلى ثلاث عواصم. 

كانت رحلة إلى قلب المستقبل العربي–الصيني المشترك. 

رحلة تُذكّرنا بأن الحضارات لا تتصادم، بل تتعاون، متى ما اختارت ذلك بإرادة حرة، ورؤية واضحة، وشراكة نزيهة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *