2025-12-21

الرئيس التركي يكتب مقال بمناسبة قمة شنغهاي بعنوان: طريق مشترك نحو السلام والعدالة

تيانجين:المشهد الصيني، تغطية صحفية يومية لقمة شنغهاي للتعاون تيانجين 2025

بقلم: رجب طيب أردوغان،رئيس جمهورية تركيا

تركيا، على امتداد تاريخها، كانت دولة تُقيم الجسور وتُجمع الحضارات. ويمثل بناء الثقة، والحفاظ على قنوات الاتصال المفتوحة، والالتزام الحازم بحل الأزمات، جوهر سياستنا الخارجية. وبهذا الفهم، نُسهم بشكل كبير في الاستقرار الإقليمي والدولي، وإننا نُناضل بلا كلل من أجل أن يسود السلام، والاستقرار، والحوار.

لقد طوّرنا حلولاً عملية لتخفيف تأثير الأزمات العالمية الناتجة عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مثل مبادرة الحبوب في البحر الأسود، التي كفلت الأمن الغذائي لملايين الأشخاص حول العالم. ومن خلال جمع الأطراف للتفاوض من أجل السلام في أنطاليا وإسطنبول، تمكّنا من الحفاظ على حركة التفاوض الدبلوماسي، في الوقت الذي كنا نضمن فيه فتح ممرات إنسانية. كما لعبنا دوراً محورياً في تبادل السجناء بين روسيا وأوكرانيا. وفي أحدث خطوة، استضفنا في يوليو 2025 في إسطنبول جولة مُجدّدة من مفاوضات السلام، مُوسّعين بذلك من مساهمتنا في هذه العملية. وإذ نتّبع المبدأ القائل: “لا يوجد منتصر في الحرب، ولا خاسر في سلام عادل”، نواصل دبلوماسيتنا من أجل السلام بروح الصبر والثبات.

من ناحية أخرى، يشهد عالمنا اليوم أزمات بمستوى غير مسبوق من التعقيد. وللأسف، يُخفق النظام الدولي الراهن في مواجهة هذه الأزمات، وفي صون حقوق الأبرياء. إن الأحداث الجارية في غزة، بما في ذلك الوحشية والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، تُعدّ من أبرز أمثلة هذا الفشل الصارخ. موقف تركيا من غزة واضح، لأن الإنسان وحقوق الإنسان يُشكّلان جوهر سياستنا. تواصل جهودنا الرامية إلى ضمان أمن السكان المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار. وإذا كنا نقدّم مساعدات إنسانية ميدانية للذين يحتاجون إليها، فنحن في الوقت نفسه نُواصل استخدام الدبلوماسية لدفع تنفيذ وقف إطلاق النار وحماية المدنيين الأبرياء. ولدينا إجابة واضحة على ضمان السلام الدائم في القضية الفلسطينية: يجب إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. إن إقامة الدولة الفلسطينية أمر ضروري لتحقيق سلام دائم في المنطقة بأكملها.

يجب اتخاذ خطوات نحو السلام الإقليمي على أكثر من جبهة. فالروابط الاقتصادية، ومشاريع البنية التحتية، والتعاون في مجال الطاقة، والتبادل الثقافي، كلها عناصر مؤسسية تُسهم في بناء الثقة. ومن خلال مشاريعنا في مختلف المناطق الجغرافية، ستواصل تركيا دورها كفاعل في تعزيز الاستقرار العالمي، وتوسيع قدرات المساعدات الإنسانية، وتطوير حلول على المنصات المتعددة الأطراف.

ستُعقد في الفترة من 31 أغسطس إلى 1 سبتمبر 2025 في تيانجين، إحدى المدن الصينية العريقة، القمة الـ25 لمجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون، التي ستُشكّل منصة مهمة لتركيا لعرض رؤيتها حول القضايا الإقليمية والدولية. وبصفتنا شريكاً للحوار في هذه القمة، نعتبر من مسؤولياتنا الأساسية إثارة ضرورة إعادة تشكيل السلام الإقليمي، والتنمية، والأمن، والشؤون الاقتصادية، والعدالة، والإنصاف، وفهم أكثر شمولاً للنظام العالمي في العلاقات الدولية.

تمثل تركيا وجمهورية الصين الشعبية، بما تتمتّعان به من تقاليد دولة قوية، ونهج مُحدد في التنمية، واقتصادين مُتّسعي النطاق، حضارتين قديمتين في الطرفين الشرقي والغربي للقارة الآسيوية. ويمتد تاريخ العلاقات بين شعوبنا إلى آلاف السنين. ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وجمهورية الصين الشعبية في 1971، شهدت العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تطوراً مستمراً. ونُولي أهمية كبيرة لتعزيز هذا التعاون العميق والوثيق، القائم على الاحترام المتبادل ونهج الربح للطرفين.

خلال زيارتي للصين على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون، سأعقد اجتماعاً مع الرئيس شي جين بينغ، رئيس جمهورية الصين الشعبية. وأولاً وقبل كل شيء، آمل أن يُسهم هذا اللقاء في تعزيز الثقة المتبادلة ودفع العلاقات الثنائية قدماً.

نحن في تركيا نُشكّل الحاضر بالقوة والخبرة المُكتسبتين من الماضي، ونبني المستقبل على أسس السلام، والثقة، والتعاون. كل خطوة نخطوها، بدءاً من منطقتنا، تفتح آفاقاً جديدة للعالم. وفي هذه “الأزمنة الغريبة”، سنواصل تحمل المسؤولية بعزم، من أجل بناء الثقة، وإبقاء قنوات الحوار مفتوحة، وحل الأزمات. ونحن نؤمن بأن توحّد المجتمع الدولي، الذي تلعب جمهورية الصين الشعبية فيه دوراً قيادياً، حول ضمير جماعي ومصالح مشتركة، سيُمهّد الطريق نحو عالم أكثر عدلاً وازدهاراً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *