جاد رعد يكتب : ما بين المانيا والصين
جاد رعد ، مدير مركز الصين بالعربية الفصحى يكتب عن زيارة المستشار الالماني اولاف شولتز الصين مطلع الشهر الجاري ويخص المشهد الصيني بمقالات راتبة
بقلم :جاد رعد – مدير مركز الصين بالعربية الفصحى
يزور المستشار الالماني اولاف شولتز الصين مطلع نوفمبر التماسا لهروب من ركود إقتصادي مدمر في احلك الظروف، وهي اول قمة أوروبية في بكين منذ الموقف غير الصائب للقارة العجوز المسيء لدورة الألعاب الأولمبية منذ أشهر كما انها اول زيارة رسمية للصين بعد مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني، مما دق اسفينا بين المانيا وفرنسا. سمحت الاولى للصين بدخول احد مراقئها البحرية بعكس رغبة بايدن، ولمجرد انها لم تضع العصي بالدواليب، مؤشر ايجابي، فيه اهتمام بمصالح شعبها اكثر وافضل مما فعله ماكرون.
يوم قرر قادة أوروبا الاصطفاف مع الأميركيين ضد الصين في الحرب الباردة التي اطلقها “ترامب”. لم يفكروا ولم يحتسبوا كفاية إمكانية اندلاع حرب في أوكرانيا وما يمكن ان تؤول إليه احوال تلك القارة “الحديقة وسط ادغال” (حسب قول احد أبرز قادتها الذي يعبر بصدق عما يتصورونه هناك). إختارت ألمانيا منذ سنوات احتلال مركز متقدم في صفوف “اعداء الصين”. يجتهد الإعلام الألماني كما العديد من وزراء تلك البلاد في توظيف اي خبر متوفر لشيطنة الصين، والتهجم للنيل من مصالحها، ناكرين حقيقة ان الصين اول دولة تنتصر في معركة ضد الفقر، والحجة في ذلك أنهم وجدوا مواطنين صينيين قبلوا مساعدات طبية أجنبية. ويؤكدون حدوث إنتهاكات لحقوق الإنسان ” المسلم ” في شنجيانغ دون زيارة تحقق ولو بالحد الأدنى، رغم إنسحاب تركيا التي كانت ثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية في “الحرص على حماية المسلمين الايغور”. يعرف من زار الصين او يتابع الاحصائيات الموثوقة ان عدد السكان الايغور المسلمين في تزايد يتناسب ويتجاوز الخط الوسطي الصيني والألماني. انتشر الفقر سابقا في شنجيانغ منذ ٢٢ عاما، ولكن ما ينعم به السكان حاليا افضل بكثير مما لدى سكان المدن والارياف الألمانية. تنتظم هيكلية التعليم والاستشفاء هناك ولها من التقديمات والمساهمات والتسهيلات ما يتمناه سكان ألمانيا. تبنت المانيا تقارير مزيفة مسيئة الى الصين دون التدقيق مثلا بما تعنيه الحياة السعيدة للمواطنين المسلمين في الصين او في أوروبا. لا تعني السعادة او الاستقلالية بالنسية للمسلم ايغوري ام عربي “جلسة مشروب” ولا علاقات متفلتة، لكن ذلك لم يحتسب عندما يقرر البعض احتساب سعادة او مستوى العيش للمواطن الصيني، مسلما كان ام غير ذلك، ربما لكونغ خارج حديقتهم، مع العلم ان ارث الثقافة العالمية يقر ب”جنائن عدن” “اولا”.
وفي مواضيع اخرى، نشر بسرعة الإعلام الغربي، المدعي انه حامل او حامي الحرية، الفيديو المأخوذ من إحدى ألعاب الفيديو لاحتسابه توثيق لاعتراض مضادات أوكرانية ضد طائرات مغيرة روسية في الساعات الأولى بعد بدء الأعمال العسكرية. في حين تجاهل ذلك الإعلام، غير الموضوعي، إنتهاكات الجنود الأوكران بحق فتيات صينيات طالبات علم، جل ما قمن به هو الهروب كغيرهن الى مناطق اكثر امنا، تماما كما تجاهل أيضا لعملية قرصنة سابقة لأموال صينية ضخمة مستثمرة في مصنع لمحركات الطائرات. على المنوال ذاته، تم معاداة تكنولوجيا الجيل الخامس وهواوي عملا بأوامر ترامب، في حين ان فخر الصناعات الألمانية مثال بي ام دبليو وفولسفاكن توسعت مصانعها في الصين واعتمدت على الجيل الخامس الى أقصى الحدود، وهنا بيت القصيد. تعمل العديد من اكبر الشركات الألمانية والفرنسية في الصين للاستفادة من فارق سعر الكلقة، كما للاستفادة من عروضات وتسهيلات حكومية صينية. لكن الإنسان طماع بطبعه. يمكن اخذ مثال توضيحي، مقارنة بي ام دبليو بنظيرتها رينو. وصلت الأولى الى الصين مع كل مورديها الألمان، ومع الوقت اختلطوا مع نظراء وشركاء محليين، فازدهرت الأعمال وتطورت، ويتم حاليا بناء مصنع-مجمع على مساحة كيلومتر مربع. هنا، حاولت رينو التذاكي، بشكل خاص، الاستفادة من كل تقديمات وسمات الصين، لكن مع رفض وتشتيت كل ما يمكن ان يحقق اي نوع من المكاسب لأي طرف صيني، وكانت النتيجة ان رينو تتراجع اقله بمقارنة ارقامها السنوية. وعلى المقياس ذاته ممكن دراسة وتحليل تقديمات تلك الشركات لعائلات الموظفين من مواطنيها الذين ينتقلوا مع عائلاتهم الى الصين، من تعليم وعقود تأمين، بما في ذلك اسلوب اختيار كبار المدراء. تتقدم ألمانيا كثيرا على فرنسا في شراكتها مع الصين. لكن يخطئ من يظن ان شركات السيارات الأجنبية تلعب دور السفارات الاقتصادية لحكومات البلاد التي تمثل. وقد خسر ترامب ذلك الرهان عندما حاول اللعب بورقة السيارات الأميركية ماركة لينكولن، ومن الجيد انه لم يقترب الى فروع جنرال موتورز المتعددة.
ختاما، اساءت ألمانيا رسميا الى الصين اكثر من مرة والظروف الحالية تسمح بالتقارب السياسي وتجيير الاستفادة على اكثر من صعيد. ستستقبل الصين ضيفها بما يقتضيه البروتوكول دون تهليل ولا جفاء على مبدأ “كما تراني يا جميل اراك”. سيستمع الضيف في بكين الى ثوابت السياسات الصينية وسيعاين عن قرب إيجابيات العمل وفق المنهجية الصينية المطروحة، وسيطلب منحة خاصة لبلاده تقيها شر شتاء قادم دون غاز للطاقة. يحق للصين اليوم ان تتصرف على خلفيىة الحجم الذي تمثله، اي انها اكبر واقوى من دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة، وان ما قدمته بالمجان لاوروبا في مواجهة كوفيد كان كرما في غير مكانه، وكانت مواقف اوروبا واضحة اقلها مع الدورة الاخيرة للالعاب الاولمبية في بكين. تعتمد العلوم في السياسة وغيرها على اسلوب المقارنة، لذا يجب الاهتمام بزيارة “المستشار الالماني” في الوقت الذي يتحضر فيه “شي جين بين” لزيارة قريبة وهامة جدا الى المملكة السعودية. لذا يمكن القول ان الزيارة المقبلة ليست “عودة الضال” انما طلب اقتراض في مصرف وسيرد عليه القسم المختص دون اهمال ان “الزبون – العميل” حاول التهرب من التسديد سابقا. قال الرئيس الروسي انه اذا حصلت مواجهة مدمرة مع الغربيين (يقصد نووية) فروسيا كبيرة لديها ما بعد الاورال تحتمي هناك والصين في حال مواجهة اقتصادية مدمرة لديها الشركاء الروس والعرب والعديد من الافارقة دون اغفال البرازيل وصربيا… فماذا لدى اوروبا؟