“قصة قطارين” … الشركات الصينية “تنعش” سكك حديد السودان بعد سنين الحصار الأمريكي المميت
الصين تنقذ سكك حديد السودان بعد سنوات الحصار الامريكي الطويل
تقرير:عبدالوهاب جمعة
على خط سكة حديد فرعي يقبع القطار (1800) والذي صنعته شركة “جي إي ” الأمريكية مذكرا بأثر الحظر على السودان.وعلى جانب آخر غير بعيد من موقع القطار الأمريكي يتوثب القطار الصيني الجديد رقم (2024) لبدء رحلته ناقلا البضائع ليضخ الحياة في شرايين قطاع النقل بالسودان.
*”الحصار ..الأرض اليباب”
استخدمت أجزاء القطار(1800) كقطع غيار في محاولة يائسة لتحريك قطارات أخرى لعلها تتحرك لنقل الركاب والبضائع في السودان.
على مد البصر في كل محطات سكك حديد السودان كان منظر قاطرات السحب الأمريكية والألمانية واليابانية المتوقفة والمتناثرة في الأرجاء تشير إلى وطأة الحظر الاقتصادي الأمريكي على هيئة سكك حديد السودان.
أثر الحصار الاقتصادي الأمريكي على سكك حديد السودان واقعد بها عن العمل،جعل الحصار محطات وورش وخطوط سكك حديد السودان إلى “ارض يباب”.
*”الموت بالسكتة الدماغية”
ومصير القطار(1800) ليس ببعيد عن موت بـ”السكتة الدماغية ” لعشرات القطارات الأمريكية والألمانية واليابانية وهو ما أدى إلى انهيار شبة كلي لسكك حديد السودان.
ويذكر تقرير صادر عن هيئة سكك حديد السودان ان اجمالي الطن المنقول المتاح في عام 2011 كان (26) مليون طن بلغت مساهمة السكة حديد في ذلك اقل من 4% وهو ما يساوي (998) الف فقط
بينما كان عدد المسافرين 37 مليون في عام 2012 وبلغت مساهمة السكة حديد 11 الف راكب فقط.
كل ذلك الانخفاض والتدهور كان بسبب توقف قطارات السحب بسبب الحصار الاقتصادي
يشير تقرير رسمي صادر من السكة الحديد إلى انه حتى عام 2016 بلغت قطارات السكة 111 قاطرة وان 54% من أسطول السحب هو قطارات أمريكي والمانية وان 56% من القطارات خارج الخدمة بسبب الحصار الاقتصادي
ويظهر تقرير آخر صادر من هيئة سكك حديد السودان وهو تقرير أعد للكشف عن اثر الحصار الاقتصادي على السكة حديد أن هيئة سكك حديد السودان اعتمدت على قطارات أمريكية من شركتا (جي ام ) و( جي إي ) ويشير التقرير إلى انه خلال الفترة من 1975 إلى 1985 اشترت هيئة سكك حديد السودان (106) قطار امريكي منها (66) تابعة لـ(جي إي) و40 تابعة لشركة (جي ام ) وكانت تمثل 78% من حجم الأسطول.
ويظهر التقرير كذلك انه :” في عام 1997 ادرجت الولايات المتحدة هيئة سكك حديد السودان في الحظر الاقتصادي على السودان وهو أدى إلى شلل كبير في سكك حديد السودان”
وتظهر وثائق التقرير توقف قاطرات السحب الامريكية من 106 قطار إلى 18 فقط وبكفاءة لا تزيد عن 50%.
*خسائر فادحة”
ويذكر التقرير ازدياد وطأة الحصار على سكك حديد السودان حيث توقف وأغلق خط “سنار الدمازين” بطول 227 كيلومتر وخط “هيا القضارف سنار” بطول 854 كيلومتر بجانب توقف خدمة نقل الركاب من 893 الف عام 1995 إلى الصفر في عام 2012.
وكشف التقرير انخفاض مساهمة السكة حديد في نقل الصادرات والواردات من 37% عام 1996 إلى اقل من 14% عام 2012
واظهر التقرير أن توقف القطارات الأمريكية منع هيئة سكك حديد السودان من نقل 18 مليون طن تقدر قيمة نقلها بـ(257) مليون دولار خلال (18) عاما.
وكشف التقرير محنة واجهت سكك حديد السودان بفقدان السكة حديد لتمويل 250 مليون دولار من “البرنامج الاسعافي الانعاشي للسكة حديد” الممول من البنك الدولي وبنك التسليف الألماني.
وفي ورقة عمل قدمت لمؤتمر حول النقل عقدتبالخرطوم في يوليو 2004 كشف ادم عبدالعزيز وآخرون عن تأثير الحظر الأمريكي على البنية التحتية والتشغيلية للسكة حديد حيث أوضحت الورقة انخفاض كبير في الإنتاجية للقاطرات بنسبة 74% بجانب انخفاض ملحوظ في جملة الكيلومترات ينسبة 67% وتضاعف الأعطال ثلاثة أضعاف وعزت الورقة ذلك إلى انعدام قطع غيار القاطرات الأمريكية التي تشكل 67% من جملة القوى الساحبة
*”ضوء في آخر النفق”
ومع قتامة الصورة لوضع سكك حديد السودان جراء الحصار الأمريكي على السودان فان ثمة ضوء ظهر في آخر النفق.
ولم يكن ذلك الضوء سوى لجوء هيئة سكك حديد السودان إلى الصين، وهو ما مثل أكبر تحول بشراء هيئة سكك حديد السودان 37 قاطرة سحب من الصين.
شكلت تلك القطارات الصينية تطور كبير لسكك حديد السودان من قاطرات البخار والديزل إلى قاطرات يتم التحكم بها بالحاسوب.
ووفق “وحدة المعلومات الاقتصادية ” بـ “المشهد الصيني ” فانه خلال الفترة من 2005 إلى 2013 اشترت هيئة سكك حديد السودان قاطرات ومعدات بقيمة (1.2) مليار دولار.
*”الصين قوة دفع هائلة”
والقاطرات والمعدات التي اشترتها هيئة سكك حديد السودان من الصين في (8) سنوات تعتبر كبيرة وضخمة مقارنة مع الاستثمار في سكك حديد السودان خلال الفترة منذ استقلال السودان وحتى عام 2005.
واطلع “المشهد الصيني” على ورقة قدمها وكيل وزارة المالية الأسبق الشيخ المك في مؤتمر خاص بالنقل بالسودان عقد بالخرطوم في عام 2005 يذكر فيها وكيل المالية أن تمويل السكة حديد منذ 1958 إلى 2003 لم يتعدى 181 مليون دولار من التعاون الثنائي والقروضقطار.
وذلك يعني انه في (8)سنوات ضخت الصين (1.2) مليار دولار وهو مبلغ يساوي (7) إضعاف ما انفق على السكة حديد من التعاون الثنائي و القروض الأجنبية طيلة (45) عاما.
يعود الفضل الأكبر لتوقف انهيار سكك حديد السودان إلى الشركات الصينية ، حيث أسهمت شركة (سي ار سي زيانغ) بـ(24) قطار سحب، بينما صنعت شركة ( باوتاو) حوالي (755) عربة بضائع وفرملة.
وصنعت شركة (لياونينغ ام أي سي ) 300 من البواجي، وصنعت شركة (جينان ريلواي ) 400 من البواجي بينما قدمت (تشاينا ريل واي سي ار سي ) 15 من البواجي.
و”البواجي” هي أربعة عجلات يسير عليها القطار الساحب وتتكون من الشاسية ونوابض و ملحقات أخرى.
*”قطارات للصادر والوارد.. وللاعمار”
مع نهاية شهر سبتمبر الجاري دشنت هيئة سكك حديد السودان القطارات الصينية الجديدة.
وفي محطة بحري بالخرطوم وصل القطار الصيني(2024) قادما من بورتسودان ميناء السودان الرئيسي حاملا كميات من القمح والوقود مواد والسكر .
يمكن ان يكون القطار الصيني (2024) أحد منقذي سكك حديد السودان من الانهيار ، وينعش قطاع النقل السككي من صدمات ما بعد الحظر الأمريكي.
يقول مدير عام هيئة سكك حديد السودان المهندس مستشار وليد محمود احمد لـ”المشهد الصيني” و لـ”مرصد الطاقة ” أن وصول الوابورات الصينية الجديدة يعني زيادة قدرات السحب للسكة حديد للقطاعات الاقتصادية الحيوية ولنقل السلع الإستراتيجية ولوقود الفيرنس لمحطات الكهرباء ولصادرات السودان ووارداته من مدخلات الانتاج الزراعي والصناعي.
وقال المهندس وليد إن هيئة سكك حديد السودان قاطرة نمو للبناء والتعمير ولمدخلات الانتاج
وقال أن اسطول السكة حديد تاثر بالحصار الاقتصادي الامريكي مشيرا إلى أن أغلب الأسطول هو وابورات امريكية والمانية الصنع.
وقال انه منذ العام 2005 لجأت السكة حديد إلى آسيا خصوصا الصين لاستيراد قوة ساحبة جديدة بلغت 28 وابور من شركة “سي ار سي زيايج الصينية و 15 وابور لشركة سار ولشركة سقا 4 وابورات واربعة لشركة السكسكيون
واضاف :” بلغت الوابورات 52 خلال الفترة من 2005 إلى 2015 “
وقال أن وصول القطارات الصينية يعني زيادة قدرات السحب للسكة حديد للقطاعات الاقتصادية الحيوية ولنقل السلع الإستراتيجية ولصادر ووارد السودان مشيرا إلى وقود وفيرنس محطات التوليد الكهربائي الحرارية ولمدخلات الانتاج الزراعي والصناعي
لافتا إلى الاسمدة لمصانع السكر ونقل الصادر الزراعي من اعلاف وغيرها
وحسب تقرير صادر من بلومبيرغ تحدث فيه وزير النقل للوكالة وقال :” القطارات والمعدات الجديدة القادمة من الصين ستمكن سكك حديد السودان من نقل 350 الف طن في الشهر بدلا عن 80 الف الحالية”
*”ثورة في البنية التحتية”
لكن ما ادى إلى تطور هيئة سكك حديد السودان وصمودها ليس القطارات فقط وانما تاهيل البيئة التحتية من مسارات السكك الحديدية.
هنا تظهر معجزة الشركات الصينية،شيدت الصين بالتعاون مع هيئة سكك حديد السودان (مصنع الفلنكات الخرسانية) بالخرطوم بحري وهو مصنع لم يكلف السكة حديد جنيها في التشييد وتباع الفلنكات بالجنيه السوداني وليس بالدولار.
وحسب تقرير صادر عن المصنع فانه ينتج 2000 فلنكة في اليوم وهو ما يعني فلنكات تكفي لتشييد 450 كيلومتر من السكة حديد كل عام.
ساهم المصنع في اعادة تاهيل خط بورتسودان عطبرة ، وخط عطبرة الخرطوم، وخط الخرطوم ودمدني.
وهو ما يعني تغير كبير من خطوط سكك حديدية تشيد على جسور ترابية وتتطلب إنفاق مالي كبير في الصيانة إلى خطوط خرسانية وهو ما يعني سرعة بطيئة للقطار لا تتعدى 35 كيلومتر
بينما الخطوط التي شيدت بالفلنكة الخرسانية كانت تعني سرعة أعلى وآمنة دون اعطال.
يقول مدير السكة حديد الشاب والذي يدير ويشغل قرابة (3) آلاف كيلو متر من خطوط السكك الحديد أن الشركات الصينية خلال الفترة السابقة قامت بتأهيل البنية التحتية بإنشاء مصنع الفلنكات الخرسانية بمحطة بحري .
وقال ان ذلك المصنع انتج (1.3) مليون فلنكة خرسانية مكنت هيئة السكة حديد من إعادة تأهيل الخط من بورتسودان إلى عطبرة والخرطوم وإلى مدينة ودمدني وقال انه يجب الآن إنتاج (1.7) مليون فلكنة لتأهيل الخط حتى نيالا .
وقال ان الشركات الصينية صنعت لهيئة سكك حديد السودان قطارات من نوع (DMU) لنقل الركاب بين عطبرة والخرطوم وبين الخرطوم وودمدني.
*”الشركات الصينية.. شريان النقل في السودان”
خلف ازدهار سكك حديد السودان وخروجها من نفق الانهيار تقف الصين، يقول سفير الصين بالخرطوم ما شينمين في حديث في نادي الشاي انعقد بداية الشهر :” من المهم للسودان إعطاء الأولوية للنقل للمضي على مسار تنميته”.
ويشير السفير إلى وصول الدفعتان من القاطرات الصينية للسودان ، لافتا إلى تاريخ التعاون بين هيئة سكك حديد السودان وشركة “سي ار سي زيانغ” والذي يعود إلى عام 2004.
واضاف:” انه في السنوات التالية قدمت سي ار سي زيانغ حتى الآن منتجات بقيمة 1.1 مليار يوان صيني ، بما في ذلك 52 قاطرة و 10 وحدات ركاب مدمجة من نوع دي أم يو “.
ويتباهى السفير الصيني بذلك ويقول:” حازت على إعجاب واسع بسبب جودة منتجاتها وخدمات ما بعد البيع المرضية في قطاع السكك الحديدية في السودان”
ويؤكد أن ذلك الإعجاب فتح الباب مرة اخرى للشركة لتعاون مع هيئة سكك حديد السودان بتصنيع 34 قاطرة ديزل إلى السودان.
ويشير إلى أن توريد قاطرات الديزل للسودان سيمنح البلاد إمكانية الوصول إلى معدات قطارات متطورة وموثوقة بالإضافة إلى الخبرة الفنية المتطورة.
وأكد ان ذلك يعني مساعدة السودان على توسيع وتطوير سلسلة صناعة القاطرات وإنعاش النقل بالسكك الحديدية والذي يعد بمثابة شريان النقل في السودان.
ويضيف :” بالتأكيد انه تعاون مربح للجانبين سيعزز الصداقة بين الشعبين ويسهل زيادة تنمية العلاقات الصينية السودانية” ويشير سفير الصين إلى مثل صيني ينص على:” إذا كنت تريد أن تصبح ثريا فابني الطرق اولا”.
بعد أن توقف القطار الامريكي (1800) وهو في ريعان عمره التصميمي بسبب الحظر الاقتصادي الامريكي فان رحلة مسير سكك حديد السودان تمضي قدما بالقطارات الصينية الجديدة ومن بينها القطار (2024) الذي أطلق بوقه الشجي لبدء رحلته الجديدة.