أحمد عادل يكتب : “لم ننساهم ولن ننساهم”
بقلم: أحمد عادل محمد
“نُقشت تلك الأيام في ذاكرتى للأبد، عندما هربنا مع عائلاتنا إلى الغابة، وسط طلقات الرصاص التى عبأت الهواء وكأنها تتساقط من السماء، كان أبى يجرى ممسكاً بيدى بمنتهى القوة وقد أصابته نيران الأرمن فسقط على الأرض لا يقوى على الحراك، جلست بجواره ودموعي تغمرني، ثم وجدنا خالي الذى طلب منه أبى أن يأخذني معه إلى أغدام وتركه ليلقى مصيره. قبل الذهاب قبلني أبى وعانقني وكان هذا آخر لقاء بيننا”.
بتلك الكلمات الممزوجة بالدموع والحسرات، روت السيدة الأذربيجانية همايل خليلوف ليلة سوداء عاشتها فى طفولتها الضائعة، ليلة دامية فى عمر البشرية حينما أنقشعت شمس الضمير الإنساني، وأسدل ليل الإرهاب ظلماته على الخلائق، إنها ليلة مذبحة خوجالى.
مر على وقوع تلك الواقعة 30 عاماً، بيد أن النكبة الكبرى حدثت قبل ذلك بكثير، فقد صنعتها المخططات التوسعية والجرائم الوحشية والمؤامرات الشيطانية من دم ولحم الشعب الأذرى الذى يأبى الإستسلام، فالصراع الأذرى الأرمينى هو صناعة استعمارية للإمبراطورية الروسية البائدة التى أرادت خلق حاجز بشري من الأرمن فى الفناء الخلفى للإمبراطورية العثمانية وإيران القاجارية لأسباب جيوسياسية، فبعد انتصارها عليهما فى القرن 19، والذى توجته بمعاهدتي تركمنشاى عام 1828 وأدريانوبول عام 1829، شرعت فى تشجيع مجتمعات الأرمن المقيمين فى الإمبراطورية العثمانية وإيران على الهجرة إلى القوقاز وقامت بتوطينهم فى مقاطعة أرمينية أصطنعتها على أراضى إيريوان و ناختشوان و قره باغ الآذرية عام 1828، ليصبح عددهم 350 ألف أرميني بحلول عام 1918، وهو العام الذى شهد أيضاً إعلان قيام الدولة الأرمينية المزعومة فى جنوب القوقاز بمساحة بلغت تقريباً 9.5 ألف كيلومتر مربع بمباركة ودعم روسيين على حساب أراضي أذربيجان الشمالية.
و منذ تلك اللحظة انتهجت عصابات الأرمن وكيانهم المغتصب المسمى أرمينيا سياسات الترهيب والعنف والتطهير العرقى والتهجير فى حربها الشعواء ضد السكان الأصليين للأرض وهم الأذريين و وطنهم جمهورية أذربيجان الديموقراطية وقواتهم المسلحة الآذرية الباسلة، فقد شهدت الفترة ما بين عامى 1905 و 1920 ثم الفترة ما بين عامى 1989 و 1994 زيادة فى جرائم الحرب من قبل الأرمن بحق الأذريين بدعم من الإمبراطورية الروسية ثم الإتحاد السوفييتى الذى سعى إلى زيادة مساحة أرمينيا من 8 آلاف كيلومتر مربع إلى 29 ألف كيلومتر مربع، مع تهجير أكثر من 150 ألف أذرى من ديارهم التاريخية، وبالتزامن مع سقوط الإتحاد السوفييتى عام 1991، شنت أرمينيا سلسلة جديدة من جرائم الحرب كانت إحدى حلقاتها مذبحة خوجالي، فقد وضع الأرمن مدينة خوجالى الأثرية – والتي تقع في وسط منطقة قره باغ الآذرية – صوب أعينهم، فهي ثان أكبر مدن الأقليم بعد مدينة شوشة وموقعها استراتيجي، كما يوجد بها المطار الوحيد فى الإقليم كله.
لذلك كانت المدينة وأهلها العزل على موعد مع القتل الوحشي بعد طول معاناة، ففي ليلة 25 من فبراير عام 1992، اجتاحت القوات العسكرية الأرمينية مصحوبة بعصابات إجرامية مسلحة المدينة بعد حصار طويل، فعاثت في الأرض خراباً وقتلاً وتدميراً، حيث تم اغتصاب النساء والاعتداء على الأطفال وكبار السن ثم قتلهم بعدما تم قتل الرجال من المدنيين العزل والضباط الأذريين الأبطال الذين دافعوا عن مدينتهم حتى أخر نفس، إضافة إلى بقر بطون النساء الحوامل وفقئ عيون الضحايا وقطع أذانهم ونزع أظافرهم وأسنانهم بكل وحشية، بعد ذلك قامت القوات المعتدية بقتل الماشية وتدمير الحقول ومصادرة الممتلكات، وتعاون معهم برد الشتاء القارص فقتل من قتل ممن حاول الهروب من همجية الأرمن، لتكتسى الطرقات بجثامين الآلاف من الأبرياء العزل، هذا ما كشفته لنا روايات الناجين والمراسلين الأجانب والخبراء الجنائيين والصور التي التقطها المصور الآذري البطل جنكيز مصطاييف، وحتى اعترافات الأرمن أنفسهم أكدت ذلك، مثل اعترافات الرئيس الأرمينى الأسبق سيرج سركسيان ومجرم الحرب فاجن سليسيان أحد أعضاء منظمة الجيش الأرميني السري لتحرير أرمينيا الإرهابية.
قُتل فى هذه المذبحة 613 شهيداً بينهم 106 من النساء و 63 من الأطفال و 70 من كبار السن إضافة إلى ألف جريح و 1275 من الأسرى و 150 فى عداد المفقودين حتى يومنا هذا.
وخلال هذه المذبحة أيضاً تم الاعتداء على الحجر كما تم الاعتداء على البشر، فبعد إزهاق الأرواح، تم تسوية العمران بالأرض، حيث تم تدمير البلدة بأكملها إضافة إلى 8 قرى مجاورة و 2495 منزل و 31 منشأة صناعية و 20 مؤسسة تعليمية و 14 مؤسسة صحية و 56 هيئة ثقافية، كما عكف الأرمن على تدمير الآثار و طمس تاريخ وهوية أصحاب الأرض، فتم الاعتداء على مسجد وقلعة شوشة وجامع جوهرآغا والمقبرة الإسلامية قرب مدينة إيريوان ومقابر قرى كوسالار وجميل ومسيالى ومعبد خوجالى الأثري، إضافة إلى ذلك أصبح كهف الأزخ أحد أقدم المستوطنات البشرية والذى يعود إلى ما قبل التاريخ، مخزناً للأسلحة الأرمينية.
حاولت أرمينيا مراراً وتكراراً قلب الحقائق وتغيير الوقائع والتغطية على هذه الفظائع، مستخدمة نفوذها السياسي والمالي والإعلامي من خلال جماعات الضغط الخاصة بها أو ما يُعرف باللوبى الأرمينى فى دول الغرب الكبرى صانعة القرار، لكن صرخات الضحايا من الأيتام والأرامل والثكالى تصم أذان هؤلاء الأرمن المعتدين وتطمس على أعينهم.
تحرك أصحاب الضمائر الحية فى هذا العالم بعد هذه الفاجعة، ففي عام 1993، أصدر مجلس الأمن أربعة قرارات تدين القوة المفرطة التى استخدمتها أرمينيا ضد أذربيجان، وتعترف بقره باغ أرضاً أذرية خالصة، كما أعترفت أيضاً الكثير من الدول والبرلمانات والمنظمات الدولية حول العالم بتلك المذبحة النكراء في الآونة الأخيرة، مثل منظمة التعاون الإسلامى ومنظمة الدول التركية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، إضافة إلى 23 ولاية أمريكية مثل تكساس وفلوريدا ومينيسوتا، والكثير من دول أوروبا مثل جمهورية التشيك وسلوفينيا والبوسنة والهرسك، والكثير من دول أمريكا اللاتينية والجنوبية مثل البيرو والمكسيك وبانما وجواتيمالا، ومن الدول الإفريقية والعربية جيبوتى والسودان.
إضافة إلى ذلك تم إقامة العديد من النصب التذكارية حول العالم، بالتزامن مع انتاج المواد الثقافية والفنية وإقامة العديد من الفعاليات الثقافية والحملات التوعوية لتخليد ذكرى ضحايا مجزرة خوجالى.
وبخصوص جرائم الأرمن حول العالم و عبر التاريخ، لا يفوتنى أن أذكر ما أورده فضيلة الشيخ عبد الوهاب النجار فى كتابه “الأيام الحمراء “عن الأرمن و سمعتهم التى تسبقهم، فهؤلاء الغوغاء يجلبون معهم المصائب والمكائد دائماً أينما حلوا، فلما حطت بهم الرحال فى أرض مصر المحروسة، استغلهم هذه المرة المستعمر البريطانى لتنفيذ الكثير من مخططاته الاستعمارية ومنها تشويه وشيطنة ثورة 1919 السلمية، ووافق الأرمن على لعب هذا الدور الدنيئ وأذاقوا المصريين الويلات مقابل وعود بريطانية بدعمهم فى تحرير وطنهم المزعوم من الاعتداء التركى على حد إدعائهم، فأما تجار الأرمن فقد قاموا بإتباع سياسات احتكارية للاستحواذ على التجارة المصرية فى الداخل و الخارج، وأما ساداتهم الذين شاركوا فى حكم مصرفقد اتخذوا من الظلم منهجاً لهم، مثل نوبارباشا الظالم أول رئيس وزراء لمصر فى العصر الحديث، و أما جواسيسهم فكانت مهمتهم الوشاية بالمصريين بل وتسليمهم لقوات الإحتلال حتى ولو كانوا نساء أو أطفالاً، وأما مجرميهم فكانوا يطلقون النارعلى حشود المتظاهرين أثناء ثورة 1919 بأسلحة البريطانيين، مثلما فعل المدعو يعقوب إيكريان فى ميدان عابدين و المدعو موريس بنيامين جولدشتاين فى حى الموسكى والمدعوة مارى أمريان والتى قتلت أحد المتظاهرين بدم بارد، فحتى نساء الأرمن لا تخلو دمائهن من جينات الإجرام، إضافة إلى أفراد أحد العصابات الأرمينية والذين أستقلوا سيارة مدججين بمدفعى رشاش وأمطروا المتظاهرين بوابل من الرصاص مخلفين 20 قتيلاً و 83 جريحاً، أهل مصر بدورهم فهموا مبكراً تلك المؤامرات التى تُحاك ضدهم وضد ثورتهم المباركة، وفى كل مرة حاولوا فيها الأخذ بالثأر من الأرمن حالت قوات الاحتلال البريطانى بينهم وبين هؤلاء الغوغاء، وعلى إثرذلك، حدثت الكثير من المناوشات والمواجهات بين المصريين والأرمن، ما حدا بكبيرهم البطيريك الأرميني بمصرآنذاك، فى مخالفة صريحة لتعاليم السيد المسيح، إلى الإدعاء ظلماً و بهتاناً بأن أهل المحروسة من المسلمين و المسيحيين يضطهدون الأرمن على الطريق التركية على حد وصفه، فقامت السلطات بجمع 4500 من هؤلاء الشرذمة من جميع أنحاء القاهرة القديمة وأودعتهم فى أماكن آمنة تحت حراستها في حي مصر الجديدة.
و ختاماً، أتعجب كل العجب من صمت المجتمع الدولى الذى يكيل بمكيالين، خاصة دول الغرب التى ترى إرهاب الأرمن فلا تحرك ساكناً، و ترى دفاع الأذرين أهل الحق عن حقهم فتنعت حقهم بالتطرف الدينى تارة و بالتوسع الاستيطانى تارة أخرى، أتمنى أن تعود الحقوق إلى أصحابها وأن يعم السلام العالمى الشامل جنبات هذه الدنيا التى أثقلتها الحروب و المؤامرات، ذلك السلام الذى لا يولد فى المؤتمرات الدولية بل فى قلوب الناس ووجدانهم