نهى الصينية : “اللغة العربية صدفة جميلة في حياتي و فتحت لي أبواب كنوز العالم العربي”
انطلقت شيوي “نهى” في رحلة غوص عميقة في بحر اللغة العربية ، من بكين الى القاهرة ، ومن الخرطوم الى عمان الى عواصم الخليج العربي المختلفة.
اختارت “نهى ” التخصص في اللغة العربية تلبية لروحها المتوثبة للتحديات ولم تندم على قراراها فقد فتحت لنفسها ابواب المعرفة للغة عالم جديد
فتاة مدينة ” شيجياتشوانغ” وجدت في الخرطوم دنيا جديدة ، وفي العاصمة الاردنية عمان استكشفت “نهى ” عالما واسعا وجديرا بالاحتفاء وتحول اهتمامها من اللغة العربية إلى دراسة المجتمع العربي والثقافات العربية.
منحت ” نهى ” موقع “المشهد الصيني” جانب من قصة عشقها لللغة العربية وكيف تحولت من مجرد فتاة صينية صغيرة الى “سفيرة” للغة العربية ” و “مروجة” للثقافة العربية في الصين.. حكت “نهى ” لـ”المشهد الصيني” كيف صنعت جسورا بين الصين والعالم العربي.
“أصبحت أمثل جسر التواصل بين الحضارتين العربية والصينية، ومروجة للثقافة العربية في الصين”
” اخترت اللغة العربية بدون تردد، ولم أندم على ذلك أبدًا.. فقد فتحت لي بوابة لعالم جديد”
عمان،الخرطوم:عبدالوهاب جمعة
انطلقت شيوي “نهى” في رحلة غوص عميقة في بحر اللغة العربية ، من بكين الى القاهرة ، ومن الخرطوم الى عمان الى عواصم الخليج العربي المختلفة.
اختارت “نهى ” التخصص في اللغة العربية تلبية لروحها المتوثبة للتحديات ولم تندم على قرارها فقد فتحت لنفسها ابواب المعرفة للغة عالم جديد
فتاة مدينة ” شيجياتشوانغ” وجدت في الخرطوم دنيا جديدة ، وفي العاصمة الاردنية عمان استكشفت “نهى ” عالما واسعا وجديرا بالاحتفاء وتحول اهتمامها من اللغة العربية إلى دراسة المجتمع العربي والثقافات العربية.
منحت ” نهى ” موقع “المشهد الصيني” جانب من قصة عشقها للغة العربية وكيف تحولت من مجرد فتاة صينية صغيرة الى “سفيرة” للغة العربية ” و “مروجة” للثقافة العربية في الصين.. حكت “نهى ” لـ”المشهد الصيني” كيف صنعت جسورا بين الصين والعالم العربي.. وحصولها على درجة الدكتوراه .. الى مضابط الحوار:
في البدء نتعرف على اسمك ومسقط رأسك بالصين؟
اسمي باللغة الصينية شيوي شوانغ شين، ”شيوي“ هي اسم العائلة الذي تحمله كل الأسماء الصينية ويُوضع في بداية الاسم دائمًا، و”شوانغ شين“ بمعنى ”راحة البال“ تحمل أمنية أبويّ. ولكن عندي اسم عربي أيضًا وهو ”نهى“، فأنا معروفة بهذا الاسم بين الأصدقاء العرب، فقد أختير هذا الاسم من قبل أستاذ عربي درسني اللغة العربية أيام الجامعة. وُلدت في مدينة شيجياتشوانغ، ولكن لم أعش فيها إلا حتى الثالث من عمري، ثم عشت في عدة مناطق في الصين مع أبويّ، واستقررنا في مدينة هاربين بشمال شرقي الصين عندما كنت في سن ٨ سنوات، فقد اكتسبت معظم الثقافة الشمالية الشرقية منذ ذلك الوقت.
مدينة هاربين تلقب بمدينة الثلج والجليد، تمتاز بشتاء بارد جدًا، وصيف معتدل، وهي مدينة سياحية مشهورة في الصين أيضا، يقيم فيها مهرجان الثلج والجيلد كل سنة في الشتاء، وهي مشتل رائع للهروب من الحرارة القاسية في الصيف.
اين بدأت دراسة اللغة العربية في الجامعة؟ لماذا تخصصت في اللغة العربية ؟
بدأ مشواري لدراسة اللغة العربية من أيام الجامعة، فقد إلتحقت بجامعة الدراسات الدولية ببكين عام ٢٠٠٩، واختصصت في اللغة العربية وآدابها منذ ذلك الحين، كان عندي موهبة في تعلم اللغة الإنجليزية في المدرسة، وأحببت الشعور الذي أستطيع تعبير نفسي بلغة أجنبية، وثم جاءتني فرصة المشاركة في امتحان القبول لجامعة الدراسات الدولية ببكين، وتميزت في الامحتان، كنت واحدة من الفتاتين التي نجحت في امتحان القبول الخاص.
من الذي شجعك على التخصص في اللغة العربية؟
كان عندي فرصة الاختيار من بين عدة لغات أجنبية، وجاءت اللغة العربية في قائمة الاختيارات ولكن لم أسمع عن اللغة العربية أبدًا من قبل، فقمت بالبحث عن ميزة كل لغة، ووجدت أن اللغة العربية تحتل المرتبة الأولى من حيث الصعوبة، ويتحدث بها أكثر من ٣٠٠ مليون نسمة في العالم. واستغربت بذلك، فمن أجل حبي للتحديات، اخترت اللغة العربية بدون تردد، ولم أندم بذلك أبدًا. فقد فتحت لي بوابة لعالم جديد.
يقال ان اللغة الصينية اسهل من اللغة العربية رغم أن الشائع صعوبة الصينية مقابل العربية .. ما رائك؟
يقال إن اللغة الصينية أصعب اللغات في العالم واللغة العربية ثاني أصعب، أو بالعكس أحيانًا، فكلاهما من اللغات الصعبة. عادة اللغة ليست صعبة على الناطقين بها بوصفها لغة الأم، ذلك لميزة الإنسان في اكتساب اللغة من المحيط، ولكن كل من اللغة العربية والصينية قد تكون صعبة على المتعلم الصغير، فالأطفال الصينيون لابد لهم من الممارسات لعدة سنوات حتى يجيدون كتابة الرموز الصينية، أما بالنسبة إلى الحديث، فاُكتسب بسهولة أكثر. بالنسبة إلى اللغة العربية، أعتقد أن الصعوبة في الثنائية اللغوية بين الفصحى واللهجات، فالأطفال العرب يجيدون التحدث باللهجات لكن لابد من بذل الجهود في تعلم القواعد والنحو والصرف أيضًا حتى يجيدون اللغة العربية بسلامة.
أما بالنسبة لغير الناطقين بها أعتقد أن اللغة العربية أصعب من اللغة الصينية، فهي لغة كثرت فيها الأصوات الصعبة، وألفاظها غنية جدًا، وقواعدها معقدة تحتاج إلى جهد كبير للتعلم. أما اللغة الصينية، فتبدو صعبة بسبب كثرة الأشكال، لكنها لغة مرنة في النطق، وسهلة في القواعد. لكن نستطيع إيجاد شباب من كل الحضارتين العربية والصينية يجيدون لغة الآخر. وهذا شيء جميل. فاللغة أساس التبادل الثقافي، وباللغة نبني جسر التواصل.
ما هي البلدان العربية التي زرتها ؟
لقد زرت ٧ بلدان عربي حتى الآن، منها السودان، ومصر، والأردن، ولبنان، والإمارات، وقطر، والبحرين. فقد زرت بعض البدان لمدة قصيرة جدًا أثناء السفر، وبعضها كمقصد سياحي في الإجازة، وعشت في السودان ٣ سنوات لدراسة الماجستير، والأردن أكثر من ٥ سنوات لإكمال دراسة في مرحلة الدكتوراه.
تمثل العاصمة السودانية الخرطوم، والعاصمة الاردنية عمان امكنة عالقة في ذهنك لماذا؟
السودان كان أول بلد أجنبي عشت فيه بعض حياتي، وأحمل ذكريات جميلة جدًا، طبعًا، كان سبب سفري إلى السودان الدراسة، وطئت قدمي أرض السودان لأول مرة في عام ٢٠١١، وذلك عن طريق برنامج تبادل طلابي بين الحكومتين، درست في معهد الخرطوم الدولي للغة العربية لمدة ٧ شهور، وتحسنت الحديث باللغة العربية كثيرًا أثناء الدورة الدراسية بمساعدة الأساتذة هناك، لأول مرة مارست اللغة العربية مع أهل اللغة، فوجئت بسرعة الكلام عند السودانيين، لكن كانت أيام جميلة جدًا رغم وجود الشمس القاسية في الصيف، وقابلت أطيب شعب في العالم، ووقعت في حب مع الصيد على شاطي النيل، و“الشواية“ اللذيذة، ولبست الثوب السوداني، وغطست في البحر الأحمر. ثم بعد عودتي إلى الصين قررت أن أرجع إلى السودان لإكمال الماجستير للاشتياق له.
وأثناء مرحلة الماجستير، وكنت أتخصص في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وقابلت زملاء من أنحاء العالم في المعهد، وقضينا وقتا دراسيا سعيدا جدًا معًا. فالسودان يحمل الذكريات الجميلة لأيام شابة بالنسبة لي، ومنحني للفرصة إشباع الفضول لاكتشاف العالم، وأتذكر كل بقعة أرضية وضعت قدميّ عليها.
بعد الحصول على درجة الماجستير، قررت أن أواصل في الدراسة، لا أخفي عنكم أن سبب اختيار الأردن كمقصد لأنني وجدت مصادر علمية كثيرة من الأردن أثناء كتابة رسالة الماجستير، وقد شجعني الدكاترة في السودان للمواصلة في الدراسة بموقفهم الأكاديمي الصارم والشغف للعلم والمعرفة.
فبدأت مغامرتي في بلد جديد. وعشت في العاصمة الأردنية خمس سنوات والنصف حتى الآن لإكمال الدكتوراه، وأحببت شوارع عمّان الملتوية بين الجبال، والجو فيها معتدل في معظم أيام السنة. المثل يقول: ”من عاشر قومًا أربعين يومًا صار منهم“، فقد انتقلت هويتي الثقافية من سودانية إلى أردنية بعد هذا الانتقال.
واكتسبت اللهجة الأردنية والفلسطينية أثناء إقامتي فيها. طبعًا، هذه السنوات الخمسة أيضًا تترك تأثيرًا عميقًا فيّ. وقد تحول اهتمامي من اللغة العربية إلى دراسة المجتمع العربي، والثقافات العربية.
هل وجدت الترحاب والقبول وحسن الضيافة من السودانيين والاردنيين؟
طبعًا
أنت تعشقين الموسيقى والاغاني العربية.. ما الذي أعجبك فيها؟
الموسيقى لغة تعبر عن المشاعر الإنسانية الطيبة. أحببت الموسيقى والغناء منذ صغري، رغم أنني لست مميزة جدًا فيها. لكن بعد تعلم اللغة العربية في الجامعة، وجدت نفسي خارج النغمات الموسيقية الصينية عندما أغني. ثم بمناسبة ثقافية في عمّان، سمعت صوت آلة القانون، ولم أكن أعرف ما هذه الآلة، وروعة صوتها قبضتني.
وكنت أسأل الأصدقاء العرب حولي عن اسم هذه الآلة. وثم خططت أن أتعلم الموسيقى الشرقية. واكتشفت أن المقامات العربية مختلفة عن الموسيقى الصينية، وتنقسم المسافات الموسيقية بشكل مختلف، فقلت لنفسي ربما هذا سبب تغير صوتي في الغناء. فقررت أن أتعلم آلة القانون بعد معرفتي عنها، وهي تسمى بآلة القانون لأنها القانون للموسقى العربية. بالنسبة إلي، وحتى كل الصينيين، هذه الموسيقى مختلفة تمامًا عن موسيقانا، والتذوق بالفنون العالمية المختلفة أمر جميل لأي إنسان.
أما الغناء العربي، فتسلية بالنسبة إلي أثناء البحث والدراسة. فعندما أصابني الملل، أستمع إلى الغناء كأي شخص عادي، ومع زيادة المعرفة للهجة الشامية، بدأت أن أفهم أغاني فيروز مثلًا، وأحاول التقليد للتسلية.
الى ماذا توصلت اطروحتك لنيل درجة الدكتوراه ” دور الفكر التربوي في التغير الاجتماعي:دراسة مقارنة بين الأردن والصين” ؟
اخترت الموضوع هذا لاهتمامي بالمقارنة بين الفكر التربوي العربي والصيني، بعد تجربتي في عدة الدول العربية، وجدت أن الأمنية الإنسانية مشتركة في تحسين الظروف الحياتية، وتجمعنا الرغبة في التنمية والتطور، والتغير الاجتماعي الإيجابي يبدأ خطوته الأولى بالتربية والتعليم. هذه الدراسة توصلت إلى أن كل الأفكار التربوية الأردنية والصينية لَمن الأفكار التربوية المنتقاة، تأخذ من الأفكار الأجنبية المميزة لتطبيقها على الذات، لكن معايير الانتقاء تحتاج إلى صياغة بشكل علمي أكثر لإحداث التغير الاجتماعي الايجابي، أثناء الدراسة قمت بالمقارنة بين الفهم للفكر التربوي بين الخبراء التربويين الأردنيين والصينيين، والمقارنة بين دور الفكر التربوي في التغير الاجتماعي في كلا الدولتين. حقًا هناك بعض الجوانب الممتعة التي تستحق الاهتمام، وأرى أن البحث النوعي الذي أجريته قد يصبح سجل ممتع للوضع الفكري الحالي لكل الدولتين.
سنوات وأنت تطلبين العلم وحصلت الآن على درجة الدكتوراة ما هي المشاعر التي شعرت بها؟
أولًا، أنا سعيدة جدا وفخورة بنفسي، ثم يملأ قلبي الشكر والتقدير لجميع الناس الذين ساعدونني سواء أكان في الحياة العلمية أم الحياة الحقيقية. الحصول على درجة الدكتوراه ليس نهاية بل نقطة انطلاق جديدة.
وشهادة الدكتوراه لا تدل على أن الإنسان موسوعة بل إنسان متخصص في مجال صغير. ولكنها تدل على الصبر والالتزام، والقدرة على ضبط النفس أمام هدف. فأنا سعيدة أني أكملت دراستي رغم كل الصعوبات. وأكيد هذا الإنجاز له معنى مهم بالنسبة إليّ. وقد يشجع الكثير من الأصدقاء إلى البحث والترقية إلى الأمام. فأشكر اللغة العربية، هي صدفة جميلة في حياتي فتحت لي أبواب كنوز العالم العربي.
ماهو مشوارك الأكاديمي المقبل ؟
لم أحدد مجالي المستقبلي بعد، لكني أتمنى أن أصبح جسر التواصل بين الحضارتين العربية والصينية، ومروجة للثقافة العربية في الصين. قد أبدأ بشغل في إحدى الجامعات الصينية وأدرّس اللغة العربية فيها لنشر هذه اللغة الجميلة وأقوم بمزيد من البحث العلمي في الثقافة العربية الإسلامية لأعرضها على الصينيين طبعًا، أتمنى أن أصبح سفيرة حقيقية أو خبيرة دراسات الشرق الأوسط عندما اكتسبت الخبرة اللازمة يوم من الأيام