ما هو سر نجاح الصين في السيطرة على الوباء؟
سعاد ياي ، الإعلامية الصينية المخضرمة واجهت فيروس كورونا المستجد وجها لوجه، وشهدت سعاد ” الحرب الشعبية ” التي اطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ للوقاية والسيطرة على الوباء والتي اوضحت أن الشعب الصيني هو البطل الحقيقي في هذه المعركة.
تتبع الاعلامية سعاد في مقالتها الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الصين للسيطرة على مصادر العدوى ، والوقاية والسيطرة على مستوى التجمعات السكنية والتي كانت ذات أولوية قصوى في كل أرجاء البلاد.
مقالة سعاد تكشف الجانب الآخر في المعركة ضد الوباء حيث كانت الحكومة الصينية ولا تزال تتبنى تطبيق مفهوم “الشعب في المقام الأول”، ومبدأ “إنقاذ الأرواح بأي ثمن”، كأولوية قصوى.
سعاد تكشف في مقالتها عن الأساليب التي تمزج بين الأدوية التقليدية الصينية والغربية في العلاج السريري.. وكيف استخدمت التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في مختلف المجالات للوقاية من انتشار الوباء والسيطرة عليه واستئناف العمل والإنتاج في أرجاء الصين…وخلصت الى اهمية ” التزام الصينيين الصارم بالإرشادات والتعليمات الحكومية للوقاية من الفيروس منذ بداية تفشيه حتى الوقت الحالي”
بقلم: سعاد ياي ، إعلامية صينية*
الصين من أولى الدول التي واجهت وباء كورونا المستجد ” كوفيد-19″ ، الذي يعد أكثر حوادث الصحة العامة في سرعة تفشيه واتساع نطاق عدواه وصعوبة الوقاية منه والسيطرة عليه.
منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وحتى يوم ال13 من يوليو الجاري، سُجِّلت أكثر من 83 ألف إصابة بالفيروس في أرجاء البلاد، وخرج من المستشفيات أكثر من 78 شخص بعد تعافيهم، كما تُوفى 4634 شخصاً بسبب الوباء، فيما وصلت نسبة الشفاء إلى أكثر من 94%.
دفعت الصين ثمناً باهظاً في هذه المعركة ضد المرض، واستغرقت أكثر من شهر لكبح انتشاره بشكل أولي، واستغرقت حوالي شهرين للسيطرة على العدد اليومي للحالات المحلية الجديدة في خانة الأرقام الأحادية، واستغرقت نحو ثلاثة أشهر لتحقيق نتائج حاسمة في الحرب الدفاعية ضد المرض في مدينة ووهان، حاضرة مقاطعة هوبي، التي كانت بؤرة تفشي الفيروس بالصين، وأقل من شهر للسيطرة على الانتشار الجديد للوباء ببكين، الذي وقع في يونيو الماضي.
عند استعراض معركة الصين ضد الوباء، نجد أن إجراءات الوقاية والجهود الكبيرة لعلاج المصابين تعتبر من أهم التدابير الفعالة للسيطرة على الوباء.. لكن كيف استطاعت الصين السيطرة على الوباء في مدة وجيزة بينما عجزت دول كثيرة عن السيطرة على الوباء؟ اليكم الاسباب وراء نجاح الصين في دحر كورونا المستجد.
أولا، اتخاذ إجراءات صارمة للسيطرة على مصادر العدوى.
بحلول الـ 23 من يناير، كانت هناك 495 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد في ووهان، ومن أجل احتواء المرض، أغلقت المدينة منذ يوم الـ23 من يناير الماضي، ولمدة 76 يوماً، حتى الإعلان عن رفع إجراءات حظر السفر من وإلى المدينة في يوم الـ8 من إبريل الماضي. وقضى أبناء ووهان أكثر من شهرين في الحجر الصحي المنزلي الصارم، وهو ما قدم مساهمات كبيرة في السيطرة على الوباء بكل البلاد.
كما دعت السلطات المحلية أبناء الشعب كافة إلى التقليل من السفر والانتقال بين المدن والمناطق، حيث كانت الصين تعيش في بداية انتشار الوباء عطلة عيد الربيع، العيد السنوي الأكبر في البلاد، التي استمرت سبعة أيام، ويعتبر تبادل الزيارات بين الأقارب والأصدقاء من أهم التقاليد الشعبية لدى الصينيين في هذه المناسبة المهمة، لكن معظم الصينيين كانوا ملتزمين بالحجر الصحي بشكل صارم، ما أسهم كثيراً في التقليل من المخالطة بين الناس في ذروة تفشي الوباء.
وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة الصينية إغلاق المدارس وبعض الأماكن العامة غير الضرورية، وأصدرت السلطة الصحية الوطنية سلسلة من الإرشادات الصحية العامة بشأن الوقاية من انتشار فيروس كورونا المستجد، التي كانت مفيدة لمساعدة الجماهير على معرفة طرق حماية أنفسهم والوقاية من الإصابة.
علاوة على ذلك، كانت الوقاية والسيطرة على مستوى التجمعات السكنية ذات أولوية قصوى في كل أرجاء البلاد.
كانت الدولة ترى أن التجمعات السكنية تمثل ميدان المعركة الرئيسي في منع انتشار الوباء، فالسكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة استجابوا لنداء الحكومة بتنفيذ العزل الذاتي في المنازل. وبالإضافة إلى ما يتطلبه هذا الأمر من وعي ذاتي لدى المواطنين، فإن تحقيقه يحتاج بصفة أكبر إلى خدمات التجمعات السكنية تحت التوجيهات الحكومية والمشاركة الذاتية والمباشرة للموظفين الحكوميين، وكذلك مبادرات المتطوعين لخدمة الآخرين.
وفي هذا الصدد، أريد أن أشارك الجميع ما مررتُ به أنا شخصياً خلال فترة الحجر الصحي المنزلي بعد ظهور حالات إصابة بفيروس كورونا المستجد في بكين قبل شهر تقريباً.
ففي أواسط يونيو الماضي، اُكتشفت بعض الإصابات المؤكدة الجديدة في بكين، وذلك بعد خلو المدينة من ظهور أي حالات على مدار أكثر من 50 يوم متتالية.
وبفضل خبرات السيطرة على الوباء، أعلنت السلطات الصحية المحلية في العاصمة الصينية أن مصدر العدوى هو سوق جملة كبرى للمنتجات الزراعية بجنوبي المدنية، بعد يومين فقط من تسجيل أول إصابة بالفيروس مؤكدة، ومن ثم أغلقت السوق وأكثر من 10 أحياء سكنية قريبة منها، بما فيها الحي السكني الذي أقيم فيه، لأعيش أكثر من أسبوعين في الحجر الصحي المنزلي.
في البداية، كنت قلقةً جداً بشأن الطعام ومستلزمات الحياة الأخرى، لكن سرعان ما تبددت هذه المخاوف، فقد اتصل موظفو لجنة إدارة الحي بجميع السكان، وكونوا مجموعة على تطبيق ويتشات على الهاتف المحمول لكل السكان، وأرسلوا عنوان موقع إلكتروني لمنصة تسوق خاصة بسكان الحي، فأمكننا أن نشتري من خلالها الخضروات والفواكه والمستلزمات الضرورية، كما طلبت لجنة الإدارة متطوعين من بين سكان الحي لتقديم الخدمات الضرورية للسكان الآخرين. وعندما كانت البضائع المطلوبة تأتي عبر خدمة التوصيل السريع إلى مدخل الحي، يعمل المتطوعون وموظفو لجنة الإدارة على نقلها إلى الداخل ووضعها أمام أبواب الشقق المعنية.
وبفضل جهودهم الدؤوبة، لم تتأثر حياتي ولو تأثراً بسيطاً بسبب الحجر المنزلي، وأعتقد أن الاستجابة السريعة لمواجهة إغلاق الأحياء السكنية ببكين استفادت كثيراً من تجربة ووهان. وبفضل مثل هذه الإجراءات المتخذة والعمل الشاق من الموظفين الحكوميين والمتطوعين المجتهدين، كان بإمكان أبناء مدينة ووهان الالتزام بالحجر الصحي الصارم على مدى أكثر من شهرين.
ثانياً، جمع مواد طبية من أرجاء البلاد لعلاج المرضى وإنقاذ حياة المصابين.
في المعركة ضد الوباء، كانت الحكومة الصينية ولا تزال تتبنى تطبيق مفهوم “الشعب في المقام الأول”، ومبدأ “إنقاذ الأرواح بأي ثمن”، كأولوية قصوى.
وخلال الفترة ما بين نهاية يناير الماضي وأوائل مارس الماضي، أرسلت البلاد 346 فريقاً طبياً و42.6 ألف عامل طبي وأكثر من 900 موظف من السلطات الصحية العامة، بالإضافة إلى أكثر من 4000 عامل طبي من القوات العسكرية إلى مقاطعة هوبي لمساعدتها على مكافحة الوباء.
كذلك خصصت السلطات المعنية 40 ألف عامل بناء، وجمعت آلاف المعدات من أرجاء البلاد لتسريع بناء المنشآت الأساسية الطبية في مدينة ووهان، حيث تم الفراغ من بناء مستشفى “هو شين شان” الذي يضم 1000 سرير، خلال عشرة أيام فقط، وتم إنشاء مستشفى “لي شن شان” الذي يشمل 1600 سرير، خلال 12 يوماً، وبني 16 مستشفى مؤقتاً يبلغ إجمالي أسرتها أكثر من 14000 ، خلال 10 أيام.
وبذلك، كانت حالة العلاج الطبي بمدينة ووهان بعد فترة وجيزة من انتشار المرض فيها قد تحولت من “المريض ينتظر سريراً” إلى “السرير ينتظر المريض”. ووفقاً للإحصاءات الصادرة عن الكتاب الأبيض لمكافحة الصين للوباء، فإن مقاطعة هوبي نجحت في علاج أكثر من 3000 مصاب بالفيروس، كانت أعمارهم تتجاوز 80 سنة.
وبخصوص العلاج الطبي للمصابين، استخدمت الأساليب التي تمزج بين الأدوية التقليدية الصينية والغربية في العلاج السريري، كما أثبتت الأبحاث والممارسات السريرية أن استخدام الأجسام المضادة الموجودة في بلازما المعافين لتحييد الفيروس يمكن أن يحقق نتائج جيدة، وتم إدراج العلاج ببلازما المتعافين ضمن النسخة السادسة لبرنامج التشخيص والعلاج للجنة الصحة الوطنية، ويرشح لعلاج المصابين الذين يعانون من تطور سريع في المرض وأصحاب الحالات الخطيرة والخطيرة جداً .
وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في مختلف المجالات للوقاية من انتشار الوباء والسيطرة عليه واستئناف العمل والإنتاج في أرجاء الصين، بما فيها الذكاء الاصطناعي وكاميرات الأشعة فوق البنفسجية وتكنولوجيا التعرف على الوجوه والطائرات المسيرة.
وعلى سبيل المثال، أطلق ويتشات (برنامج التواصل الاجتماعي الصيني الأشهر) تطبيق البحث عن الأحياء السكنية التي اكتشفت فيها حالات الإصابة بالفيروس، بناء على المعلومات الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في جميع أنحاء البلاد، ما يتيح للناس فرصة الكشف عن حالات الإصابة المؤكدة ومواقعها الدقيقة بسهولة.
كذلك يعد “الرمز الصحي”(QR code)من أحدث التقنيات والوسائل المستعملة في عملية استئناف العمل والإنتاج في ظل تنفيذ إجراءات الوقاية من الوباء في الصين، وهو تطبيق على الهاتف المحمول توفره الأجهزة الحكومية، ويشمل مسار الخروج لكل مواطن، ووضع الوباء في مكان عمله وحي سكنه والمدينة التي يوجد فيها. ولهذا الرمز الصحي دور فعال في تسجيل إحصاءات المخاطر الصحية على المواطنين ومتابعة تواصلاتهم الاجتماعية.
وعلى سبيل المثال، إذا تمّ اكتشاف مصاب بالفيروس على متن طائرة، سيتلقى جميع ركاب الرحلة رسالة على هواتفهم، ويتحول رمزهم الصحي من اللون الأخضر إلى لون آخر، لتنبيههم إلى إجراء الفحص واتخاذ إجراءات العزل في وقت مناسب، لتجنب خطر تفشى الوباء إلى أقل حد ممكن.
وإلى جانب هذه التدابير المتخذة بالصين للسيطرة على الوباء، لا بد أن نذكر التزام الصينيين الصارم بالإرشادات والتعليمات الحكومية للوقاية من الفيروس منذ بداية تفشيه حتى الوقت الحالي، مثل وضع الكمامات والتقليل من زيارة الأماكن العامة وعدم التجمع مع الأصدقاء إلا في ظروف استثنائية للغاية، وتطبيق الحجر الصحي إذا كان ضرورياً…
وأطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ على هذه الجهود اسم “الحرب الشعبية” للوقاية والسيطرة على الوباء، مؤكداً أن الشعب هو البطل الحقيقي في هذه المعركة.
ورغم أن الصين حققت نتائج في السيطرة على الوباء بعد بذلها تضحيات باهظة في هذه المعركة، فإن الأزمة لم تنته فيها أو في العالم. إن الفيروس عدو مشترك لكل البشر، ويجب على مختلف الدول في هذه اللحظة الحاسمة أن تتكاتف وتتضامن وتتعاون وتكافح الوباء جنباً إلى جنب، وتعمل معاً على حماية سلامة الشعوب وصحتها، وصون الكوكب الأرضي كدار مشتركة للجميع، وبناء مجتمع الصحة الواحد لكل البشرية .
- سعاد ياي ، إعلامية صينية ، وهي احد اصوات الصين الشابة الناطقة باللغة العربية ، وتعد سعاد احد جسور التعاون الصيني العربي.