بيدو الصيني للملاحة بالأقمار الاصطناعية يحتضن الدول العربية
كان طريقي الحرير البري والبحري في التاريخ يتلاقيان في منطقة غربي آسيا وشمالي إفريقيا، وأصبح طريق الحرير رمزا روحيا مشتركا للحضارتين الصينية والعربية… الان طريق حرير فضائي يتشكل من نظام بيدو للاقمار الصناعية، اضخم واكبر نظام فضائي .. سيساهم نظام بيدو في الارتقاء بمستوى التعاون الجماعي الصيني العربي إلى مستوى أعلى
بقلم :وانغ تشاو ياو *
يلامع “نجم سيرويوس” و”نجم بيدو” لبعضهما البعض
يمثل استكشاف الفضاء الشاسع والواسع حلما مشتركا للبشرية جمعاء. ولم تتوقف الأمتان الصينية والعربية يوما عن هذه الاستكشافات مع احترام الأرض والفضاء، ونحن دائما نرفع رؤوسنا للنظر إلى السماء المرصعة بالنجوم، مفكرين في أسرار الفضاء.
تتمتع الحضارة العربية المبهرة بتاريخ عريق لاستكشاف الفضاء وحققت إنجازات متوفقة. كان المصريون القدماء يستعينون بنجم سيرويوس لوضع التقويم وعداد المد والجزر لنهر النيل وإرشاد الإنتاج والحياة للجماهير.
لدى الحضارة الصينية نجم مماثل: نجم بيدو. في الأسرة الملكية شاه الصينية في القرن الـ19 قبل الميلاد(أي فترة حضارة بابل)، كانت الأمة الصينية تستعين بنجم بيدو لتحديد الاتجاه والفصول الأربعة والأوقات، واخترعت التقويم لنجم بيدو وبوصلة، فأصبح نجم بيدو الذي يعلق في السماء مدافعا للأمة الصينية ويحدد لها اتجاها.
من نجم سيرويوس إلى نجم بيدو، حققت كلا الحضارتين العربية والصينية إنجازات مبهرة في مجال الفلك والنجوم، بما يوفر دعما للحضارتين في استمرار استكشاف أسرار الفضاء وتضافر الجهود في تحقيق تقدم تكنولوجي أكبر.
يساهم “نجم بيدو” في تحديد اتجاه الحلم
لم تتوقف البشرية يوما عن استكشاف سبل الحصول على المعلومات الوقتية والفضائية في مسيرتها الطويلة في استكشاف الفضاء، وكان تاريخ تطور تكنولوجيا الملاحة سجلا للتوسع المستمر للبشرية في الفضاء. في الثمانينات من القرن الـ20، بدأ بعض العلماء الصينيين ذوي الطموحات في استكشاف الفضاء أعمال البحوث والتطوير لنظام صيني للملاحة بالأقمار الاصطناعية، وسموه باسم “بيدو” الذي يرمز إلى النور والاتجاه الصائب في الثقافة الصينية التقليدية.
من الإطلاق الناجح لأول قمر اصطناعي تجريبي ” بيدو 1″ في أكتوبر عام 2000، إلى إطلاق آخر قمر اصطناعي يكمل شبكة نظام “بيدو 3″ في يونيو عام 2020، في هذه الأعوام الـ20، تم إطلاق الصواريخ لـ44 مرة، مما أرسل 4 أقمار اصطناعية تجريبية لنظام بيدو و55 قمرا اصطناعيا لـ”بيدو 2″ و”بيدو الـ3” إلى الفضاء، وتم إكمال شبكة الأقمار الاصطناعية التي تغطي كل العالم، بما يقدم “حلا صينيا” لأنظمة الملاحة بالأقمار الاصطناعية في العالم.
إن الفضاء لا حدود له، وأعمال الاستكشاف لا حدود لها أيضا. إن نجاح إطلاق القمر الاصطناعي الأخير لنظام “بيدو الـ3” لا يعني انتهاء بناء هذا النظام، بل ويعد نقطة الانطلاق لخدمة العالم ككل.
من GPS إلى بيدو، الخيارات لخدمة الوقت والفضاء في العالم متنوعة
في عام 1995، تم إكمال شبكة نظام GPS الأمريكية المتكونة من 24 قمرا اصطناعيا، الأمر الذي يمكنها من خدمة العالم. ومنذ 25 عاما، قد تعوّد الناس على تسمية نظام الملاحة العالمية بالأقمار الاصطناعية بـ GPS. كنا متطلعين لإنجازات الرواد في الوقت الماضي، أما اليوم، فنجحنا في شق الطريق التنموي ذي الخصائص الصينية. من GPS إلى بيدو، إن الخيارات لخدمة الوقت والفضاء في العالم. إن نظام بيدو جاء بمثابة “الحل الصيني” للعالم.
ظلت الصين باعتبارها دولة كبيرة ومسؤولة في مجال نظام الملاحة بالأقمار الاصطناعية، تتمسك بالمبادئ التنموية القائمة على “الاستقلال والانفتاح والتسامح والتدريجية”، مستعدة لتقاسم إنجازات نظام بيدو مع العالم. إن نظام بيدو كنسخة مستكملة ومطورة لأنظمة الملاحة العالمية بالأقمار الاصطناعية، توفر مزيدا من الخيارات والضمانات لدول العالم. وفي الوقت نفسه، تشارك الصين مشاركة نشطة في العائلة العالمية الكبيرة في مجال الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، وتحرص على تقديم خدمة الملاحة بالأقمار الاصطناعية الأكثر استقرارا وموثوقا به للعالم بالتعاون مع الأنظمة الأخرى للملاحة من خلال تعزيز التوافق والتشغيل البيني بين الأنظمة الأخرى.
رغم أن نظام بيدو جاء متأخرا في تاريخ تطور نظام الملاحة بالأقمار الاصطناعية في العالم، غير أنه ليس متفرجا، بل ومطبق ومبدع. إذ أن نظام بيدو ابتكر سبل الملاحة بجمع المدار الأوسط والمدار المائل المتزامن مع الأرض والمدار الثابت بالنسبة للأرض، الأمر الذي زاد دقة للأقمار الاصطناعية وقدرتها ضد الانسداد. الآن، وصلت دقة نظام بيدو لتحديد المواقع في العالم أقل من 5 أمتارا، وهي قابلة للتعزز حتى الوصول الدقة إلى درجة متر وديسيمتر وسنتمتر. إضافة إلى خدمة أساسية لتحديد المواقع والملاحة والتوقيت، يتمكن نظام بيدو من تقديم خدمات المعززة على أساس الأقمار الاصطناعية، الاتصالات عبر الرسائل القصيرة، الإغاثة الدولية، المعززة على أساس الأرض، وتحديد نقطة معينة بدقة بالغة وغيرها من الخدمات المتنوعة.
إن نظام بيدو هو نظام الملاحة الوحيد لغاية اليوم يقدر على الاتصال بالرسالة القصيرة، ستساعدك هذه “المهارة الفريدة” على الاطلاع على موقعك وإبلاغ الآخرين بأحوالك وموقعك، بما يجعلك، عندما تكون في المحيط والصحراء والمناطق النائبة تخرج من المأزق المعزول معلوماتيا وفتح ممر الاتصال العاجل للحصول على المساعدة.
لا شيء يقيد على تطبيقات نظام بيدو إلا الخيال
لعبت تطبيقات نظام بيدو دورا مهما على مستويين صناعي ومدني، وحققت منفعة اقتصادية واجتماعية ملحوظة في مجالات المواصلات والأمن العام والزراعة والغابات والمصايد والرصد الهيدرولوجي والرصد الجوي وتوحيد الوقت للاتصال وتوزيع الكهرباء وأعمال الإغاثة في الكوارث وتقليل تداعياتها. في عام 2019، بلغت قيمة الإنتاج لصناعة الملاحة الصينية 345 مليار يوان صيني، وتتجاوز نسبة المساهمة لنظام بيدو 80%.
كما لعب نظام بيدو دورا مهما في أعمال الوقاية والسيطرة على وباء فيروس كورونا المستجد في الصين، حيث تم تقديم أجهزة القياس العالية الدقة لنظام بيدو إلى مدينة ووهان لبناء مستشفيين خوشينشان وليشينشان، مما رفع فعالية المسح في المشروع؛ وتم استعمال الطائرات بدون الطيار والسيارات بدون السواق لنظام بيدو في أعمال توزيع المستلزمات الطبية في المناطق المنكوبة؛ وتم بعث المعلومات المتعلقة بتطورات الوباء ونقل المستلزمات الطبية وأحوال الطرق إلى أكثر من 6.5 ملايين شاحنة عبر منصة نظام بيدو للمراقبة والخدمات للشاحنات، بما يضمن سلاسة نقل المستلزمات الطبية.
مع إسراع المناطق المختلفة بوتيرتها في أعمال استئناف الإنتاج والعمل بعد الوباء، ساعد نظام بيدو على استئناف قدرة النقل للطرق الرئيسية، بما يوفر ضمانا قويا لنقل المستلزمات الإنتاجية ذات الاحتياجات في إعادة فتح الاقتصاد على نحو شامل. تم استعمال الآلات الزراعية الذكية لنظام بيدو في الأعمال الزراعية الربيعية، بما يضمن إنتاج الحبوب وإمدادات المنتجات الزراعية لسنة كاملة عبر الطريق التكنولوجي. كما تستعين الشركات بوظيفة نظام بيدو لتحديد مواقع الموظفين الذين عادوا إلى العمل كل على حدة، بما يضمن التشغيل الآمن للشركات.
سيواجه نظام بيدو مزيدا من فرص التطور في عصر الجيل الـ5 للاتصالات الذي سيأتي قريبا. سيعمل نظام بيدو على الدمج مع تكنولوجيا الجيل الـ5 والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية وسلسلة الكتل والذكاء الصناعي وغيرها من التكنولوجيات الحديثة، وتوفير خدمات جديدة وفي مقدمتها المدن الذكية والتصنيع الذكي والزراعة الذكية والعائلة الذكية، بما يأتي بإصلاح للمجتمع.
إن نظام بيدو سيرافقك أينما كنت في أي بقعة من العالم
بدأ نظام بيدو تقديم خدمات أساسية للعالم منذ نهاية عام 2018، قد أصبح “بيدو الصيني” “بيدو للعالم”. أما اليوم، فيمكنك التمتع بخدمات منفتحة ومجانة وعالية الجودة لنظام بيدو أينما كنت في أي بقعة من العالم.
الآن، تم تطبيق نظام بيدو في أكثر من نصف دول العالم والمناطق، وتم تطبيق الحلول بنجاح لتحديد صلاحية الأرض والزراعة الدقيقة والتشييد الذكي وتوحيد الوقت في المطارات والمراقبة على السياسات والسفن والموانئ الذكية على أساس نظام بيدو في كل من آسيان وجنوب آسيا وغربي آسيا وشرقي أوروبا وإفريقيا. مع استكمال شبكة النجوم لنظام بيدو، سيوفر هذا النظام خدمات خاصة للزبائن الدوليين مثل التعزيز النجمي وتحديد نقطة معنية بدقة بالغة والاتصال بالرسائل القصيرة. لن نغير أهدافنا الأصلية، وسيظل نظام بيدو الصيني تقدم خدمة الملاحة للبشرية جمعاء.
لا يتوقف الحلم إلى هذا الحد، ولن تتوقف خطوات نظام بيدو لخدمة العالم. ستنجز الصين منظومة شاملة لتحديد المواقع والملاحة والتوقيت(PNT)، وهي منظومة تقوم على نظام بيدو وقابلة للتعزز والاستنساخ بالسبل المختلفة وتغطي البر البحر والجو، وتكون أكثر عموما واندماجا وذكاء، بما يقدم خدمة PNT آمنة وموثوق بها وفعالة وميسرة تغطي جميع أنحاء العالم وتقوم على مرجعية موحدة.
سيتم بناء طريق الحرير الفضائي بين الصين والدول العربية عبر نظام بيدو
كان طريقي الحرير البري والبحري في التاريخ يتلاقيان في منطقة غربي آسيا وشمالي إفريقيا، وأصبح طريق الحرير رمزا روحيا مشتركا للحضارتين الصينية والعربية. ظلت الأمتان الصينية والعربية يتعاملان مع بعضهما البعض بكل صدق وإخلاص في التواصل الذي تجاوز الوقت والمكان، إن الشعب العرب صديق حميم وأخ عزيز وشريك وثيق يسحق الثقة والاحترام بالنسبة للصين. في الوقت الراهن، تعمل الدول العربية على الدفع بالعملية الصناعية والتحول الاقتصادي، الأمر الذي يتطابق تطابقا كاملا مع المفهوم الصيني لبناء “الحزام والطريق”، فأصبح الجانبان الصيني والعربي شريكان طبيعيان لإحياء طريق الحرير.
إن نظام بيدو أول بنية تحتية فضائية صينية تقدم خدمة عامة للعالم، ولم ننس أصدقائنا العرب يوما في عملية بناء نظام “بيدو الـ3”. طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ في الجلسة الافتتاحية للدورة الـ6 للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في عام 2014 معادلة التعاون الصيني العربي المتمثلة في “1+2+3″، ويمثل “3” منها التعاون في التكنولوجيا المتقدمة والحديثة وعلى رأسها نظام بيدو للملاحة بالأقمار الاصطناعية. في عام 2014، طرح الرئيس شي جينبينغ “بحث مشروع تطبيق نظام بيدو للملاحة في الدول العربية”، في عام 2018، طرح الرئيس شي جينبيغ مرة أخرى “ضرورة تشجيع نظام بيدو الصينية لخدمة بناء الوطن للدول العربية.” وتسعى الصين إلى التنمية المشتركة في التعاون مع الدول العربية.
في يناير عام 2016، وقعت الصين مع كل من السعودية والمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات والأكاديمية العربية لتكنولوجيا العلوم والنقل البحري على مذكرات تعاون بشأن نظام بيدو، مما أقام آلية التعاون الرسمية؛ في مايو عام 2017، عقدت الدورة الأولى لمنتدى التعاون الصيني العربي لنظام بيدو، مما أقام منتدى التعاون الرفيع المستوى بين الجانبين الصيني والعربي في مجال الملاحة بالأقمار الاصطناعية؛ في إبريل عام 2018، تم إنشاء مركز بيدو في تونس كأول مركز من نوعه في خارج الصين، مما أقام منصة منفتحة للتعاون الصيني العربي في مجال الملاحة بالأقمار الاصطناعية. في ديسمبر عام 2018، قامت الصين بإعادة وضع خطة إطلاق الأقمار الاصطناعية، وبدأت تقديم الخدمات للدول والمناطق المطلة على “الحزام والطريق” بما فيها الدول العربية قبل الغير؛ في إبريل عام 2019، عقدت الدورة الثانية لمنتدى التعاون الصيني العربي لنظام بيدو، مما أرسى آلية طويلة المدى للمنتدى، وتم إصدار منح دراسية للطلبة العرب للدراسة في الصين؛ في سبتمبر عام 2019، وقعت الصين والعراق على مذكرة التفاهم للتعاون في مجال بيدو، تأكيدا على إجراء التعاون في تطبيق نظام بيدو في شتى المجالات.
قال محمد بن عمر، الأمين العام للمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات وهو شريك التعاون لنا في المنطقة العربية، إنه “في السنوات الأخيرة، قبلت بعض الدول العربية تطبيقات نظام بيدو ونفذتها في مجالات عديدة، وذلك سيخدم التعاون الصيني العربي في الفترة ما بعد الوباء، إن التعاون الصيني العربي في مجال الملاحة بالأقمار الاصطناعية له أفق واعد، فيجب علينا تحقيق التنمية المشتركة.”
نحن بصدد بناء طريق الحرير الفضائي بين الحضارتين الصينية والعربية، سيساهم نظام بيدو في الارتقاء بمستوى التعاون الجماعي الصيني العربي إلى مستوى أعلى.
نتقدم يدا بيد، استفادة من تكنولوجيا نظام بيدو وإنجازاتها
يقول المثل العربي: “خير القول ما صدقه الفعل”. إن التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية أتى فعلا بالرفاهية والمصالح الملموسة للشعبين. ولا يجوز توقف التعاون الصيني العربي عند المجال الاقتصادي والتجاري، تحرص الصين على تقاسم الإنجازات التكنولوجية مع الدول العربية في مجال التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة. يقوم المثل الصيني القديم: “تعليم الناس بالصيد خير من منحهم الأسماك”، تحرص الصين على تعزيز التعاون والتواصل التقني مع الدول العربية في مجال الملاحة بالأقمار الاصطناعية من خلال البحوث والتطوير المشترك والتعاون الصناعي والتعليم والتدريب، بما يحقق تقدما مشتركا.
بدأ طالب مصري وافد أحمد محمد السيد عبد العزيز دراسة تكنولوجيا الملاحة بالأقمار الاصطناعية في الصين منذ سبتمبر عام 2019 بعد تخرجه من جامعة Benha. وهو قال: “رأيتُ إطلاق قمر اصطناعي لنظام بيدو على طول مسيرته المدهشة في يوم 23 يونيو. هناك الأجواء المواتية للدراسة والبحوث العلمية في الصين، وأتمكن من الاطلاع على أحدث التكنولوجيا وإكمال مهام البحوث العلمية والدراسية بجودة عالية. أحب أن أدرس هنا حبا كثيرا.
يقول المثل العربي: “السير بوحده سريع، والسير مع الجماعة بعيد”، ويقول الصينيون دائما إن “كثرة الصحبة لبسطة الرحلة”. نحن على استعداد لبذل جهود مشتركة مع الدول العربية لإدخال نظام بيدو إلى الدول العربية، خدمة لبناء الوطن والتنمية لها، وسنتمسك بمفهوم التنمية المتمثلة في “بيدو للصين وللعالم، وتطور بالجودة العالية”، بما يخدم العالم والبشرية جمعاء!
- وانغ تشاو ياو ،رئيس اللجنة الصينية للنظام الصيني للملاحة بالاقمار الصناعية