رؤية بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية ترسم صورة ملامح جديدة للصين
الصين عملاق اقتصادي وحضاري.. تجربة إنسانية عميقة وثرية لكل مهتم بالتاريخ البشري أو قارئ له.. لكنها دولة دولة مظلومة إعلاميا و الصورة النمطية القديمة ما زالت — بقصد أو بدون — قائمة لدى شريحة كبيرة من المجتمعات التي تغيب عنها حقيقة الصين الجديدة المفعمة بطاقة إيجابية وإيمانية لبناء دولة منفتحة
بقلم : ياسر الشاذلي *
في تاريخ الدول ثمة تجارب لا تملك أمامها سوى التوقف لمحاولة استيعاب وفهم إستراتيجياتها وسياساتها العامة وقدرتها على النهوض والبناء، خاصة إذا كانت هذه الدول تعاني حروبا إعلامية شرسة للتغطية على أي نجاح تحققه سيما إذا كان هذا النجاح مهددا للبعض، ولديه القدرة الحتمية على التمدد خارج حدودها نحو دول وشعوب في مناطق مختلفة من العالم.
وإذا قدر لنا التوقف أمام التجربة الصينية، فإن أقل ما يقال عنها أنها تجربة ثرية مفعمة بالإيمان الصادق بضرورة الوصول إلى مكانة تستحق ما تمتلكه من إرث تاريخي وإنساني ممتد وضارب بجذوره في عمق التاريخ.
لقد كان لي شرف الاطلاع على تقرير أعمال الحكومة الصينية الذي قدمه رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، في الدورة الثالثة للمجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصيني في 22 مايو الجاري، وما تضمنه من أرقام ومعلومات تبرز بجلاء تام حقيقة الإستراتيجية الصينية تجاه كثير من الملفات المحلية والعالمية، وهو ما يستوجب على كل مهتم بالسياسة الدولية الاطلاع عليه وقراءته لفهم ومعرفة خارطة العالم التي تعد الصين لاعب رئيس في صياغتها وصناعة توجهها وطبيعتها.
الصين هذا العملاق الاقتصادي والحضاري تجربة إنسانية عميقة وثرية لكل مهتم بالتاريخ البشري أو قارئ له، وقد يكون من العدل الإشارة هنا إلى أنها دولة مظلومة إعلاميا وأن الصورة النمطية القديمة ما زالت — بقصد أو بدون — قائمة لدى شريحة كبيرة من المجتمعات التي تغيب عنها حقيقة الصين الجديدة المفعمة بطاقة إيجابية وإيمانية لبناء دولة منفتحة متطلعة إلى عالم قائم على التعاون لصالح الإنسانية، وليس التصادم من أجل فرض أجندات أو سياسات بعينها تخدم طرف دون غيره، وهو ما يمكن استنتاجه من مقال نشرته مجلة (تشيوشي) منتصف أبريل الماضي، للرئيس الصيني شي جين بينغ، تناول فيه أهمية وضرورة التضامن والتعاون العالميين لمحاربة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، مشيرا في سياق مقاله إلى أن “الصين تدعم رؤية بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية”، وهي رؤية ترسم صورة ملامح جديدة لدولة ظلت الأخبار المتداولة عنها لعقود أنها دولة منغلقة وغير منفتحة على غيرها من الدول.
لقد، أبرز التقرير الذي قدمه السيد لي كه تشيانغ، خاصة في الجانب الاقتصادي، قوة وسلاسة الجبهة الاقتصادية الداخلية لدولة الصين بإجمالي ناتج محلي بلغ 99.1 تريليون يوان، محققا زيادة قدرها — وفق ما تضمنه التقرير من معلومات — 6.1% عن الفترة التي سبقته، كما أوضح التقرير نجاح الصين في توفير فرص عمل جديدة لـ13.52 مليون شخص، مع انخفاض في نسبة البطالة لديها دون 5.3%، عوضا عن نجاحها في تحقيق نوع من التوازن الرئيس في ميزان المدفوعات الدولية، وإنتاج ما يزيد عن 650 مليار كجم من الحبوب الغذائية، هذا في ظل تراجع أداء الاقتصاد العالمي إلى نحو مهدد بانهيار كثير من الاقتصادات في العديد من دول العالم، ما يعد قراءة هذا التقرير والاطلاع عليه درسا مهما لكل اقتصادي في دول العالم كافة يسعى إلى معرفة وفك المعادلة الصينية، وفهم قدرتها في الوصول إلى ما وصلت إليه الآن من تقدم، ومعرفة الإجابة على السؤال المحوري والأهم: كيف نجحت الصين في تحقيق كل هذه الأرقام رغم ما يعانيه العالم من أزمات وتراجعات وفق مؤشرات اقتصادية دقيقة وواضحة
- ياسر الشاذلي ، كاتب صحافي عربي.