العلاقات السودانية الصينية- منظور اقتصادي (2 من 3) د/ عادل عبد العزيز الفكي
خص الخبير الاقتصادي المرموق د.عادل عبدالعزيز الفكي ( المشهد الصيني ) بدراسة معمقة عن العلاقات السودانية الصينية من منظور اقتصادي.. سكب د. عادل معرفته المعمقة وخبرته الممتدة .. وبريشة الفنان ومبضع الجراح يضع د.عادل السياق الاقتصادي للسودان ويقترح الحلول برؤية كلية مقرونة بالتفاصيل لوضع الاقتصادي السوداني على صراط التنمية القويم
العلاقات السودانية الصينية- منظور اقتصادي (2 من 3)
د/ عادل عبد العزيز الفكي
اليوان عملة دولية
أصبحت العملة الصينية اليوان عملة قابل للتداول الدولي مع
الدولار الأمريكي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليورو الأوروبي، وذلك حسب
قرار أصدره المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي خلال اجتماعه يوم 30 نوفمبر 2015،
وبهذا يصبح اليوان العملة الخامسة في سلة العملات العالمية.
انضمام اليوان الصيني
إلى “سلة حقوق السحب الخاص” أو سلة العملات الاحتياطية في العالم يعتبر
نصرا لبكين التي بذلت جهودا جبارة في سبيل أن يتحقق هذا على أرض الواقع.
إن من شأن انضمام اليوان إلى سلة العملات الرئيسية في العالم أن يضاعف
الطلب عليه، وتصبح عملة أول أو ثاني اقتصاد في العالم عملة معترفا بها في
التداولات العالمية.
وقالت كريستين لاغارد
مديرة صندوق النقد الدولي أن الصندوق خلص إلى أن اليوان ويسمى أيضا رينمنبي، قد
استوفى شروط أن يصبح “مستخدما بحرية” أو يتم التداول به على نطاق واسع
في التعاملات المالية على مستوى العالم، ويتم الاتجار به في أسواق المال الرئيسية في العالم.
وقد دخلت هذه الخطوة
حيز التنفيذ في شهر أكتوبر 2016 خلال ترؤس الصين لمجموعة العشرين التي تضم
الاقتصادات المتطورة والاقتصادات الناشئة في العالم. ويقول محللون إن إدماج اليوان في سلة العملات الاحتياطية يعتبر
نصرا دبلوماسيا لبكين من أجل جعل عملتها عملة عالمية مقبولة.
يشار الى أنه وخلال العام 2013 وافقت جمهورية الصين الشعبية على مقترح السودان بفتح حساب خاص لحكومة السودان باليوان الصيني لدى البنوك الصينية، بما يتيح استخدام اليوان في التبادل التجاري معها بدلاً عن الدولار والعملات الدولية الأخرى.
الآن تتاح فرصة هائلة لتفعيل هذا الاتفاق لتنفيذ استخدام اليوان الصيني في التبادل التجاري مع الصين، وسوف يساعد هذا التنفيذ في التخفيف من حدة الضغوط على بنك السودان الذي يعاني الأمرين الآن في توفير العملات الأجنبية للمستوردات، نتيجة للحظر الاقتصادي الامريكي من جهة ولعدم توفر احتياطات كافية لدى بنك السودان.
كما أن الاجراء يسهم في توجيه الاستيراد ليكون مباشراً مع الصين بدلاً عن الاستيراد عن طريق دولة ثالثة حسبما يحدث في الوقت الحالي للعديد من مستورداتنا. وفي هذا فائدة أكيدة للميزان التجاري ولاحتياطاتنا من العملات الأجنبية والتي سيصبح اليوان واحداً منها.
تعتبر الصين الشريك التجاري الأول للسودان[1]، فخلال العام 2017 بلغت صادراتنا للصين مبلغ 614.2 مليون دولار تمثل 15.1% من صادرات السودان، يضاف لها صادر الذهب للامارات، الذي يستقر أخيراً في الصين كما هو معلوم، وذلك بقيمة 1610.7 مليون دولار تمثل 39.7% من صادرات السودان لتبلغ صادراتنا الحقيقية للصين أكثر من 2 مليار دولار تعادل أكثر من 50% من صادراتنا الكلية.
فيما بلغت وارداتنا من الصين خلال العام 2017 مبلغ 2159.2 مليون دولار تمثل 23.6% من جملة الواردات، وإذا أضفنا لها وارداتنا من دولة الامارات العربية، وهي عبارة عن سلع صينية تصل للسودان عبر المنطقة الحرة بجبل علي، وقد بلغت جملتها خلال العام 2017 مبلغ 1079.2 مليون دولار تمثل 11.8% من جملة وارداتنا، عليه فإن وارداتنا الحقيقية من الصين هي مبلغ يتجاوز 3.2 مليار دولار تمثل حوالي 35% من جملة وارداتنا.
إن دولة نصدر لها 50% من جملة صادراتنا، ونستورد منها 35% من وارداتنا من المنطقي والطبيعي أن نعمل على استخدام عملتها في هذا التبادل التجاري الضخم معها، علماً بأنها يمكن أن تستوعب كل صادراتنا من مختلف المواد والسلع بالنظر لسوقها الاستهلاكي الضخم.
إن الاسراع في تنفيذ الاتفاق مع الصين بشأن إستخدام اليوان في التبادلات التجارية معها يعتبر حلاً ملائماً جداً في ظل الاوضاع التي يعاني منها الاقتصاد السوداني حالياً، ويا حبذا لو تم تحرك جاد من جانب بنك السودان لتنفيذ الاتفاق فوراً، وذلك لعدة أسباب أهمها أن الصين هي الشريك الاقتصادي الأول للسودان في مجالي الصادرات والواردات، وأنها تحتل في الوقت الحالي قائمة أكبر المستثمرين في السودان، كما تحتل أعلى قائمة المقرضين للسودان من خلال القروض التفضيلية التي قدمتها وتنوي تقديمها للسودان. وأهم من كل ذلك بالنسبة للسودان أن إستخدام اليوان في التبادلات لن يترتب عليه فرض شروط سياسية، ولا يستدعي المرور عبر بورصة نيويورك كما هو الشأن مع الدولار.
إن استخدام اليوان الصيني في التبادلات
التجارية الخارجية للسودان، وفي التعاملات الداخلية كعملة ثانية مع الجنيه يمثل
فرصة هائلة للسودان للخروج من أسر الدولار الأمريكي، كما يمثل فرصة هائلة لحل
مشكلة أوراق النقد، من خلال الاستخدام المزدوج للعملة السودانية مع العملة الصينية
في التعامل داخل السودان، وذلك من خلال تثبيت قيمة للعملة السودانية مقابل اليوان،
مثلاً 1 يوان= 10 جنيهات سودانية، والسماح لبنوك صينية بالعمل داخل السودان،
والسماح لكل البنوك السودانية والصينية العاملة بالسودان بالتعامل بالعملتين، وحق
السوداني في فتح حساب بأي من العملتين أو بالعملتين معاً، وأن يتاح السحب عبر
الصرافات الآلية لكلا العملتين وفق المعادلة أعلاه.
إن إقرار اتفاق كهذا، وتثبيته لمدة عشرون عاماً
على الأقل يضمن عودة الاستقرار للاقتصاد لسوداني، وانخفاض نسبة التضخم لأقل من 3%،
كما يضمن انسياب استثمارات أجنبية هائلة للسودان تفجر موارده الكامنة وتحقق الرفاه
لشعبه.
[1] تقرير بنك السودان المركزي للعام 2017